العبادات كلها سواء كانت بدنية أو مالية أو مركبة منهما لا يجوز تقديمها على سبب وجوبها، ويجوز تقديمها بعد سبب الوجوب وقبل شرط الوجوب.
سبب الوجوب هو العلامة التي وضعها الشارع على جواز الفعل شرعا، وشرط الوجوب هو العلامة التي وضعها الشارع على وجوب الفعل شرعا، فسبب الوجوب يستفاد منه جواز الفعل فقط، وشرط الوجوب يستفاد منه وجوب الفعل، وهذا في بعض العبادات لا في كلها، وبناء على ذلك يقال إن فعل العبادة يكون على أحوال:
الأول: فعلها قبل سبب الوجوب، وهو غير جائز، والعبادة حينئذ غير معتبرة.
الثاني: فعلها بعد سبب الوجوب وقبل شرط الوجوب، فهذا جائز.
الثالث: فعلها بعد شرط الوجوب، فهذا واجب لأن شرط الوجوب قد تحقق.
ويدل لهذه القاعدة قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:(إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير) فذكر التكفير قبل الحنث، ويدل له الإجماع على جواز الوضوء قبل حضور وقت الصلاة وهو من باب تقديم الفعل على شرط الوجوب، ولهذه القاعدة فروع:
منها: كفارة اليمين، فسبب وجوبها عقد اليمين، وشرط وجوبها الحنث، فلا يجوز تقديم الكفارة على اليمين، ويجوز بعد اليمين وقبل الحنث، وتجب الكفارة بعد الحنث.
ومنها: التيمم، فسبب وجوبه عدم الماء حقيقة أو حكما، وشرط وجوبه إرادة الصلاة، وعليه فلا يصح التييم قبل فقد الماء، ويجوز بعد فقده وقبل الصلاة.
ومنها: الصلاة المجموعة كالظهرين والعشاءين، فإن وقت المجموعين كالوقت الواحد، فدخول وقت الأولى سبب لوجوب فعل الثانية معها، ودخول وقت الثانية شرط لوجوب فعلها، فلا يجوز فعل الصلاة الثانية من المجموعتين قبل دخول وقت الأولى، ويجوز فعلها بعد دخول وقت الأولى لتحقيق سبب الوجوب، ولكنها لا تجب بمجرد دخول وقت الأولى، أما إذا دخل وقت الثانية فقد تحقق شرط وجوبها فيجب فعلها حينئذ.
ومنها: كفارة القتل، فسبب وجوبها الجرح القاتل، وشرط وجوبها زهوق النفس، وعليه فلا تصح كفارة القتل قبل وجود الجرح القاتل، ويجوز بعده، وتجب الكفارة بعد الموت.
ومنها: الزكاة، فسبب وجوبها تمام النصاب، وشرط وجوبها حولان الحول، فلا يجوز تقديمها قبل تمام النصاب، ويجوز قبل حولان الحول.
ومنها: الغسل الواجب، فسبب وجوبه وجود موجبه كالإنزال، وشرط وجوبه إرادة الصلاة.
ومنها: الوضوء، فسبب وجوبه الحدث، وشرط وجوبه القيام إلى الصلاة.
ومنها: كفارة ارتكاب محظورات الإحرام، فسبب وجوبها وجود العذر المسوغ لارتكاب المحظور وشرط وجوبها فعله.
ومنها: كفارة الظهار، فسبب وجوبها التلفظ بالظهار، وشرط وجوبها إرادة الجماع.
ومنها: صيام التمتع والقران لعادم الهدي، فسبب الوجوب هو الإحرام بالنسك وشرطه دخول أيام التشريق، وعليه فلا يجوز الصيام قبل الدخول الإحرام، ويجوز بعد الإحرام وقبل أيام التشريق، وأما بعد دخول أيام التشريق فيجب الصوم.
ومنها: النذر المعلق على شرط فسبب وجوبه عقد النذر، وشرط وجوبه تحقق الشرط.
ومنها: خصال الفطرة وأعني قص الشارب وتقليم الأظافر وحلق العانة ونتف الإبط، فسبب وجوبها ظهورها، وشرط وجوبها مرور أربعين ليلة عليها.
ومنها: أجرة الصناع، فسبب وجوب الأجرة مجرد العقد، وشرط الوجوب إتمام العمل المتفق عليه.
ويستثنى من هذه القاعدة جواز إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين لأن هذا منقول عن الصحابة، فهو من باب الرخصة.
[قواعد ابن رجب، القاعدة الرابعة، الشرح الممتع 6/169، فقه الزكاة ص900، نوازل الزكاة ص542، تقرير الشيخ وليد السعيدان]