اختلف العلماء في حكم استعمال آنية الكفار وثيابهم على أقوال:
القول الأول: أنه يحرم استعمال آنية المشركين وثيابهم إذا وجد غيرها، وهو مذهب ابن حزم ورواية عن أحمد، واستدلوا بما يأتي:
1- حديث أبي ثعلبه الخشني قال: (قلت يا رسول الله: إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: لا، إلا ألا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا) [خ 5478، م 1930]
وأجيب عنه بأن الروايات الأخرى ذكرت تتمة للسؤال، ففي رواية أبي داود قال: (إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر) [د 3839، وصححه الألباني]، وفي المسند بسند حسن عن أبي ثعلبة الخشني: (أنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله أفتنا في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها، قال: إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء واطبخوا فيها) [حم 6686]، وآنية المجوس الغالب فيها أنها تستعمل في الطعام المحرم، فإن ذبائحهم لا تحل، فهي ميتة.
2- أن الكافر نجاسته نجاسة حسية، لقول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس}، ولحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (إن المسلم لا ينجس) [خ 283، م 371] وفي رواية (سبحان الله يا أبا هر إن المؤمن لا ينجس) [خ 285، 371] فدل على أن الكافر ينجس.
والقول بأن الكافر نجاسته حسية هو مذهب الظاهرية وهو رواية عن الإمام مالك، والجمهور على أن نجاسته معنوية، والصحيح مذهب الجمهور، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل من طعامهم وشرابهم، وكان الصحابة يلبسون مما يصنعونه، وأيضا فإن نكاح الكتابية جائز، ونكاحهن لا يمكن معه الاحتراز من العرق والريق وثيابهن.
أما قول الله تعالى {إنما المشركون نجس} فهو محمول على النجاسة المعنوية، وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- معناه أن المسلم لا يضره كونه جنبا، فإنه لا ينجس، وليس فيه أن الكافر ينجس، ولو كان فيه كذلك فإنه مأخوذ من المفهوم، ومنطوق أدلة الجمهور مقدم عليه.
القول الثاني: أنه يكره استعمال آية المشركين قبل غسلها، هو مذهب الحنفية، واستدلوا بحديث أبي ثعلبة السابق.
القول الثالث: أنه يجب غسل ما استعملوه من الآنية والثياب، ولا يجب غسل ما صنعوه ولم يستعملوه، وهو مذهب المالكية، واستدلوا بأن حديث أبي ثعلبة الخشني ورد في أوان يستعملونها.
القول الرابع: أنه إن تيقن طهارتها لم يكره استعمالها، وإن لم يتيقن كره استعمالها حتى يغسلها، وهو مذهب الشافعية.
القول الخامس: أنه يباح استعمال آنية الكفار والمشركين ولبس ثيابهم حتى يتيقن نجاستها، وهو مذهب الحنابلة، وهو الراجح، واستدلوا بما يأتي:
1- عن أنس -رضي الله عنه-: (أن يهوديا دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه) [حم 13448، وسنده صحيح] والإهالة: هي الودك -الشحم- المذاب، وسنخة: أي متغيرة، فهذه آنية يهودي وهو من أهل الكتاب، وقد أكل منها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
2- عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- في حديث طويل: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شرب هو وأصحابه من مزادة امرأة مشركة، وأعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء المزادة، وقال: اذهب فأفرغه عليك) [خ 344، م 682]، وقد اشتهر عند الفقهاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ من مزادة امرأة مشركة، وحديث عمران ليس فيه وضوءه -صلى الله عليه وسلم- وإنما أمره للجنب بالاغتسال منه.
3- عن جابر -رضي الله عنه- قال: (كنا نغزو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم فنستمتع بهم فلا يعاب علينا) [حم 14635، د 3838، وصححه الألباني]
وقال بعض العلماء إن ثياب الكفار لها ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: أن تكون جديدة لم تُلبس، كالثياب المصنعة في بلاد الكفار، فحكمها الطهارة يقينا.
الحالة الثانية: أن ترى على ثوب الكافر نجاسة أو على بدنه، فحكمه أنه نجس.
الحالة الثالثة: إذا كان ثوبا يستعمله الكافر ولم تر نجاسة عليه، فقال بعض العلماء: يعمل باليقين، وهو الطهارة، وقال آخرون يعمل بالظاهر وهو النجاسة لأنهم يبولون ويتغوطون ولا يسلمون من وضع النجاسة على ثيابهم وبدنهم ولا يتورعون، وفصل آخرون بأنه إذا كانت الثياب على موضع يغلب فيه النجاسة فهي نجسة كالثياب التي تلي العورة، وإلا فهي طاهرة، والأظهر أنها طاهرة.