** يكره كلامه من غير حاجة في الخلاء، وقد نص الإمام أحمد أنه يكره الكلام حال قضاء الحاجة، وفي رواية عنه قال: لا ينبغي، والمعروف عند الأصحاب أنه إذا قال أكره أو لا ينبغي أنه للتحريم، وكلام الرجل في الخلاء منه ما يكون فيه ذكر الله عز وجل ومنه ما ليس كذلك، أما ما كان فيه ذكر لله فهو مكروه، ويدل لذلك ما يأتي:
1- حديث أبي الجهيم بن الحارث -رضي الله عنه- قال: (أقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من نحو بئر جمل -موضع بالمدينة- فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليه، حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه، ثم رد عليه السلام) [خ 337، م 369 معلقا]
2- حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: (أن رجلا مر ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبول، فسلم فلم يرد عليه) [م 370]
3- حديث المهاجر بن قنفذ -رضي الله عنه-: (أنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال: إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر أو قال على طهارة) [حم 18555، جه 344، د 17، وصححه الألباني] والسلام فيه ذكر لله تعالى فإن الله هو السلام ومنه السلام.
فإن قيل: إن الاستدلال بهذا الحديث يقتضي التحريم، لأنه ترك واجبا، وترك الواجب لا يباح إلا إذا كان الشيء محرما، فالجواب من وجهين:
الأول: أن هذا المسلِّم لا يستحق ردا، لأنه لا ينبغي السلام على قاضي الحاجة، وهذا ضعيف، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يعلل عدم رد السلام بأنه سلم عليه في حال لا تستحق الرد.
الثاني: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يترك الواجب، لأنه بعد أن انتهى من بوله رد عليه واعتذر منه، وهذا صحيح، لأن تأجيل الرد لا يستلزم القول بالتحريم.
فإن قيل: فإذا عطس أو سمع الأذان فماذا يفعل؟
فالجواب: أن في ذلك قولين لأهل العلم، هما روايتان عن الإمام أحمد، فالقول الأول: أنه يذكر الله في قلبه وهو ضعيف، فإن الذكر القلبي فاقد للذكر اللساني، وإنما يحمد العاطس الله، ويجيب المؤذن بلسانه والقلب وهذا لم يذكر الله بلسانه، والقول الثاني: أنه يذكر الله مخافتة، كقراءته في الصلاة، بمعنى: يذكر الله بقلبه وبلسانه لكنه لا يرفع صوته بالذكر، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهذا قول قوي، وقد يقال إن له أن يذكر الله بعد خروجه من الخلاء، فإذا خرج حمد الله وأجاب المؤذن، ويدل عليه حديث أبي داود في قصة المهاجر بن قنفذ، فإن رد السلام واجب ومع ذلك أجله النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى خروجه من الخلاء، فمثله ما هو سنة من إجابة المؤذن ونحو ذلك.
فإن كان الكلام ليس ذكرا لله، فالأولى تركه إلا لحاجة، لأنه ليس المروءة، أما الكراهة فليس عليها دليل صريح، وأما حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان، فإن الله عز وجل يمقت على ذلك) [حم 10917، د 15، وضعفه الألباني] فالحديث رواه عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير موصولا، ورواه الأوزاعي وغيره عن يحيى بن أبي كثير مرسلا، وهو الراجح كما قال ذلك أبو حاتم، ورواية عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير فيها ضعف.
** يكره مس فرجه بيمينه، والكراهة محل اتفاق بين العلماء خلافا للظاهرية الذين قالوا بالتحريم، ويدل لذلك حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- مرفوعا: (لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء) [خ 153، م 267]، وهل النهي عن مس الذكر مختص بحال قضاء الحاجة أم عام في غيرها؟
قال بعض أهل العلم إنه عام، لأنه جاء عن أبي قتادة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (نهى أن يتنفس في الإناء، وأن يمس ذكره بيمينه، وأن يستطيب -التطهر بعد قضاء الحاجة- بيمينه) [م 267] ولأنه من المعلوم أن الإنسان وقت قضاء الحاجة يحتاج إلى مس ذكره بيمينه ليتطهر، فلما نهي عن ذلك مع الحاجة علم أنه في غيره من باب أولى لعدم الحاجة.
وقال بعض أهل العلم إن النهي خاص بحال قضاء الحاجة، لأن العلة في النهي تنزيه اليمنى عن الأذى، ويدل لذلك حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كانت يد النبي -صلى الله عليه وسلم- اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى) [د 33، وصححه الألباني]، ومس الذكر في غير حال قضاء الحاجة لا يعرض اليمنى للأذى.
والقول الثاني هو الأقرب، أما حديث أبي قتادة فهو مقيد بالروايات الأخرى التي تنهى عن مس الذكر باليمين حال قضاء الحاجة لأن مخرج الحديث واحد، ويؤيده حديث طلق بن علي: (إنما هو بضعة منك) [حم 15851، ت 85، ن 165، د 182، جه 476] ولو كان النهي في حديث أبي قتادة عاما عن مس الذكر في كل حين لما كان لحديث طلق فائدة.
** يكره استجماره واستنجاؤه باليمين عند جمهور العلماء، ويدل لذلك حديث أبي قتادة السابق، فإن قيل كراهية استنجاؤه باليمين معقولة وممكنة بأن يستنجي بالشمال، لكن في الاستجمار يحتاج أن يمسك الحجر بيد، وفرجه باليد الأخرى، فإذا أمسك الحجر باليمنى كان قد استجمر باليمنى، وإن أمسك فرجه باليمنى، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول)، وأجاب بعض العلماء بأنه يمسك الحجر باليمين لكن يثبت يمينه ولا يحركها، ويمسك فرجه بشماله ويمسح به على الحجر، فيكون استجماره باليسار.
** يكره أو يحرم المسح أو النتر، لعدم ثبوت الحديث في ذلك، ولأن ذلك يحدث الوسواس ويسبب الأمراض، قال شيخ الإسلام: "التنحنح بعد البول والمشي والطفر إلى فوق والصعود في السلم والتعلق في الحبل وتفتيش الذكر بإسالته وغير ذلك كل ذلك بدعة ليس بواجب ولا مستحب عند أئمة المسلمين بل وكذلك نتر الذكر بدعة على الصحيح لم يشرع ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وكذلك سلت البول بدعة لم يشرع ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والحديث المروي في ذلك ضعيف لا أصل له، والبول يخرج بطبعه وإذا فرغ انقطع بطبعه، وهو كما قيل: كالضرع إن تركته قر وإن حلبته در.
وكلما فتح الإنسان ذكره فقد يخرج منه ولو تركه لم يخرج منه، وقد يخيل إليه أنه خرج منه وهو وسواس وقد يحس من يجده بردا لملاقاة رأس الذكر فيظن أنه خرج منه شيء ولم يخرج ...
والاستجمار بالحجر كاف لا يحتاج إلى غسل الذكر بالماء ويستحب لمن استنجى أن ينضح على فرجه ماء فإذا أحس برطوبته قال: هذا من ذلك الماء." [مجموع الفتاوى 21/106]