اختلف العلماء في السواك للصائم بعد الزوال، فأكثر العلماء على مشروعيته واستحبابه استدلالا بعموم الأحاديث التي جاءت في فضل السواك، وبعموم قوله -صلى الله عليه وسلم- (لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة)
وذهب الشافعي ورواية عن أحمد إلى عدم مشروعيته بعد الزوال، واستدلوا بحديث (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي) [طب، قط وضعفه الحافظ في التلخيص الحبير 1/101، والعراقي في شرح الترمذي والدارقطني والألباني، وانظر فيض القدير 1/396]
وبحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا (والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) [خ، م]، والراجح هو مذهب الجمهور، للأدلة التالية:
1- عن عامر بن ربيعة -رضي الله عنه- قال: (رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لا أحصي يستاك وهو صائم) [د 2364، وعلقه البخاري بصيغة التمريض، وضعفه الألباني] وضعفه عبد الرحمن بن مهدي وكان ينكره أشد الإنكار.
2- عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من خير خصال الصائم السواك) [جه 1677، وضعفه الألباني]، والحديث ضعفه البيهقي والحافظ ابن حجر.
3- أن العلماء قد أجمعوا أن الصائم يتمضمض وجوبا أو استحبابا، والمضمضة أبلغ وأشد من السواك.
4- أنه ليس لله تشريع في التقرب إليه بالرائحة الكريهة، ولا هي من جنس ما شرع التعبد به، بل هي أثر العبادة وليست العبادة نفسها.
5- أن رضوان الله تعالى الحاصل من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) [حم، ن، وصححه الألباني] أكبر من الأجر الحاصل من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك) [خ 1894، م 1151]
6- أنه على فرض أن السواك يزيل الخلوف، فإنه لا يمنع من كونه طيبا عند الله، فهذا الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك يوم القيامة، ولو أزاله بالسواك أو بغيره، كما أن الجريح يأتي يوم القيامة ولون دم جرح لون الدم، وريحه ريح المسك، مع أنه مأمور بأن يزيل أثر ذلك في الدنيا
7- أننا لا نسلم بأن السواك يزيل الخلوف، لأن تلك الرائحة ناتجة عن خلو المعدة من الطعام، وليست من نفس الفم.
8- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علم أمته ما يباح لهم وما يسن وما يكره في الصوم، ولم يذكر لهم ألا يستاكوا وهم صائمون.
9- أن تحديد وقت الكراهة بالزوال غير منضبط، فمن الناس من يحصل له رائحة الخلوف قبل الزوال بسبب عدم تسحره مثلا، وهنا لا يقال له حتى على المذهب الآخر إن السواك غير مستحب. [انظر زاد المعاد 2/61، 4/323]
10- عن عبد الرحمن بن غنم قال: "سألت معاذ بن جبل: أتسوك وأنت صائم؟ قال نعم، قلت: أي النهار أتسوك؟ قال: أي النهار شئت، إن شئت غدوة وإن شئت عشية، قلت: فإن الناس يكرهونه عشية، قال: ولم قلت يقولون؟! إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، فقال -يعني معاذ-: سبحان الله لقد أمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالسواك حين أمرهم وهو يعلم أنه لا بد أن يكون بفم الصائم خلوف وإن استاك، وما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمدا، ما في ذلك من الخير شيء بل فيه شر إلا من ابتلى ببلاء لا يجد منه بدا" [طب 133-20/70، وقال الحافظ في التخليص الحبير: "إسناده جيد"]