الجمعة 20 جمادي الأولى 1446
حكم إعفاء اللحية وحكم قصها
الثلاثاء 14 ديسمبر 2021 2:00 مساءاً
606 مشاهدة
مشاركة

** اللحية هي: الشعر النابت على الخدين والذقن، كما ذكر ذلك صاحب لسان العرب وغيره.

** أمر الشرع بإعفاء اللحية، فقد وردت الأحاديث بألفاظ (أوفوا، وأرخوا، وأرجوا، ووفروا، وأعفوا) ومعانيها كلها متقاربة، ولم يرد حديث بلفظ (اتركوا) ولا بلفظ (أكرموا)، والروايات هي:

1- حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعا: (خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى) [م 259]

2- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس) [م 260]، وجاء بلفظ (أرجوا) بالجيم، وهو بمعنى الإرخاء كما قال النووي.

3- حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعا: (خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب) [خ 5892]

4- حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعا: (أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى) [خ 5893، م 259 بلفظ (أحفوا الشوارب)]

وهذه الألفاظ كلها تدل على الترك والتوفير والتكثير، فإن قوله (أوفوا) من الإيفاء وهو الإتمام وعدم النقصان، وقوله (أرخوا) من الإرخاء وهو بمعنى الإطالة والسدل أرخى العمامة أطالها، وأرخى الستر أسدله، وقوله (أرجو) أصلها أرجئوا من الإرجاء وهو التأخير، وقوله (أعفوا) الإعفاء أصل معناه في اللغة الترك والكثرة كما قال تعالى {حتى عفوا} أي كثروا

** حلق اللحية حرام، وقد نقل ابن حزم اتفاق العلماء على ذلك فقال: "واتفقوا أن حلق جميع اللحية مُثلة لا تجوز" [مراتب الإجماع ص157]

وقال السفاريني: "والمعتمد في المذهب حرمة حلق اللحية" [غذاء الألباب 1/433]، وقال في الفروع: "ويعفي لحيته، وفي المذهب ما لم يستهجن طولها، ويحرم حلقها ذكره شيخنا" [الفروع 1/129].

وقد نُقل عن بعض الشافعية وصححه بعضهم أنه حلقها مكروه، على أن الشافعي قد نص في الأم على تحريم حلق اللحية، وكذلك الزركشي، وقل ابن حجر الهيتمي: "قال الشيخان -أي الرافعي والنووي- يكره حلق اللحية، واعترضه ابن الرِّفْعة بأن الشافعي -رضي الله عنه- نص في الأم على التحريم، وقال الأذرعي: الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة" [حاشية الشرنواني على تحفة المحتاج 9/375]

وفي الموسوعة الكويتية: "ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة وهو قول عند الشافعية، إلى أنه يحرم حلق اللحية ... والأصح عند الشافعية: أن حلق اللحية مكروه" [35/225] 


** اختلف العلماء في الأخذ مما زاد على القبضة، على أقوال:

القول الأول: أن ذلك جائز، وقد نص الإمام أحمد على جوازه، وكذلك نص عليه الشافعي إذا كان في حج أو عمره، وقال الحسن البصري: "كانوا يُرخصون فيما زاد على القبضة من اللحية أن يؤخذ منها" [مصنف ابن أبي شيبة 5/225، شرح العمدة لابن تيمية 1/236]

وقد ورد ذلك من فعل ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان "إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه" [خ 5892]، وعن مروان بن سالم أنه قال: "رأيت ابن عمر يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف" [د 2357]، قال الحافظ: "والذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك، بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه" [فتح الباري 10/350]

أما ما ورد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها) فقد استنكره البخاري، والحديث في سنده عمر بن هارون وهو متروك. [ت 2762، وقال الألباني موضوع]

القول الثاني: أنه مستحب، وهو مذهب الحنفية، قال ابن عابدين: "اختلف الناس في إعفاء اللحى ما هو، فقال بعضهم: تركها حتى تطول فذاك إعفاؤها من غير قص، ولا قصر، وقال: أصحابنا الإعفاء تركها حتى تكث وتكثر والقص سنة فيها، وهو أن يقبض الرجل لحيته فما زاد منها على قبضة قطعها، كذلك ذكر محمد في كتاب الآثار عن أبي حنيفة قال: وبه نأخذ" [منحة الخالق حاشية على البحر الرائق 3/12، الفتاوى الهندية 5/358]

القول الثالث: أن ترك الأخذ أولى، وهو مذهب الجمهور، قال ابن مفلح: "ويعفي لحيته، وفي المذهب ما لم يستهجن طولها، ويحرم حلقها ذكره شيخنا، ولا يكره أخذ ما زاد على القبضة، ونصه لا بأس بأخذه، وما تحت حلقه لفعل ابن عمر، لكن إنما فعله إذا حج أو اعتمر وفي المستوعب وتركه أولى، وقيل يكره، وأخذ أحمد من حاجبيه وعارضيه" [الفروع 1/129]

وقال العراقي: "الجمهور على أن الأولى ترك اللحية على حالها وأن لا يقطع منها شيء، وهو قول الشافعي وأصحابه وقال القاضي عياض: يكره حلقها وقصها وتحريقها. 

وقال القرطبي في المفهم: لا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قص الكثير منها، قال القاضي عياض: وأما الأخذ من طولها فحسن، قال: وتكره الشهرة في تعظيمها كما يكره في قصها وجزها.

وقد اختلف السلف هل لذلك حد؟ فمنهم من لم يحدد شيئا في ذلك إلا أنه لا يتركها لحد الشهرة ويأخذ منها، وكره مالك طولها جدا، ومنهم من حدد بما زاد على القبضة فيزال ومنهم، من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة انتهى" [طرح التثريب 2/83]

وقال النووي: "والمختار ترك اللحية على حالها، وألا يُتعرض لها بتقصير شيء أصلاً" [شرح مسلم 3/151]

القول الرابع: وهو قول الطبري أنه يحظر إعفاء اللحية، قال العيني: "وقال الطبري: فإن قلت: ما وجه قوله: اعفوا اللحى؟ وقد علمت أن الإعفاء الإكثار، وأن من الناس من إذا ترك شعر لحيته اتباعا منه لظاهر قوله: اعفوا اللحى، فيتفاحش طولا وعرضا ويسمج حتى يصير للناس حديثا ومثلا، قيل: قد ثبتت الحجة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على خصوص هذا الخبر، وأن اللحية محظور إعفاؤها، وواجب قصها على اختلاف من السلف في قدر ذلك وحده" [عمدة القاري 22/47]، وهذا أضعف الأقوال.


** أطلق جماعة من العلماء جواز أخذ ما شذ وتطاير من اللحية، وقد نقل الحافظ ابن حجر عن الطبري أنه قال: "إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به" [فتح الباري 10/350].

وقال في الفروع: "ويعفي لحيته، وفي المذهب ما لم يستهجن طولها" [الفروع 1/129].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما إعفاء اللحية فإنه يترك ولو أخذ ما زاد على القبضة لم يكره، نص عليه كما تقدم عن ابن عمر، وكذلك أخذ ما تطاير منها" [شرح العمدة لابن تيمية 1/236]

وقال القاضي عياض: "وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن، ويكره الشهرة في تعظيمها وتحليتها كما تُكره في قصها وجزها" [إكمال المعلم بفوائد مسلم 2/64]

والرواية عن مالك في ذلك مشهورة. [المنتقى شرح الموطأ 7/266]


** اختلف العلماء في الأخذ مما دون القبضة، والأكثر على عدم جواز ذلك، قال ابن عابدين: "يحمل الإعفاء على إعفائها عن أن يأخذ غالبها أو كلها كما هو فعل مجوس الأعاجم من حلق لحاهم" [رد المحتار 2/418]