الجمعة 20 جمادي الأولى 1446
حكم الختان
الثلاثاء 14 ديسمبر 2021 2:00 مساءاً
600 مشاهدة
مشاركة

** الختان بالنسبة للرجال: إزالة أعلى حشفة الجلد التي على رأس الذكر، وبالنسبة للنساء: فهي إزالة أعلى الجلدة التي على الفرج، وشبهها العلماء رحمهم الله بعرف الديك بيانا للمحل.


** أول من اختتن إبراهيم عليه السلام، وقد اختتن وهو ابن ثمانين سنة امتثالا لأمر الله عز وجل [ق]، ولذلك عده بعض العلماء من جملة ما ابتلاه الله به، حتى جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى {وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} قال: "ابتلاه الله بالطهارة؛ خمسٍ في الرأس، وخمسٍ في الجَسَد، في الرأس: قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس، وفي الجسد: تقليم الأظافر وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل مكان الغائط والبول بالماء".


** جاءت مشروعية الختان للرجل لما فيه من إزالة هذا الموضع الذي تكمن فيه النجاسة، أما المرأة فقد ذكر العلماء أن في الختان تخفيفا لشهوتها، وقد ورد في ختان الإناث حديث أنس -رضي الله عنه- مرفوعا: (إذا حفضت فأَشِمِّي ولا تَنْهَكِي، فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج) [سيأتي تخريجه]، ومعنى أشمي أي اتركي الموضع أشم، والأشم: المرتفع.

وعن أم علقمة: "أن بنات أخي عائشة ختن، فقيل لعائشة ألا ندعو لهن من يلهيهن، قالت بلى، فأرسلت إلى عَدِي فأتاهن، فمرت عائشة في البيت فرأته يتغنى ويحرك رأسه طربا وكان ذا شعر كثير، فقالت: أف شيطان أخرجوه، أخرجوه" [الأدب المفرد 1/427، وحسنه الألباني] 

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية هل تختتن المرأة؟ فأجاب: "نعم تختن، وختانها أن تقطع أعلى الجلدة التي كعرف الديك ... وذلك أن المقصود بختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة في القلفة، والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها، فإنها إذا كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة، ولهذا يقال في المشاتمة: يا بن القلفاء، فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر، ولهذا يوجد من الفواحش في نساء التتر ونساء الإفرنج ما لا يوجد في نساء المسلمين، وإذا حصل المبالغة في الختان ضعفت الشهوة، فلا يكمل مقصود الرجل، فإذا قطع من غير مبالغة حصل المقصود باعتدال والله أعلم" [مجموع الفتاوى 21/114]


** وقت وجوب الختان هو البلوغ، وذلك على القول بوجوبه كما سيأتي، فلا يجوز له أن يبلغ إلا وقد اختتن، ويدل لذلك حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: أنه سئل، مثل من أنت حين قبض النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أنا يومئذ مختون، وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك" [خ 5941] أي حتى يناهز البلوغ.

فإن اختتن قبل ذلك؟ فقد سئل الإمام أحمد عن ذلك فقال: "لا أدري لم أسمع فيه شيئا"، أي لم أسمع فيه سنة صحيحه، وحينئذ يبقى على الأصل، فالأصل في الأشياء الحل ما لم يثبت دليل يمنع من ذلك.


** الختان في اليوم السابع للمولود، فيه روايتان عن الإمام أحمد، فالرواية الأولى: الكراهية وهو مذهب مالك، لأنه فعل اليهود، فإنهم يختنون في اليوم السابع، والرواية الثانية: أنه لا يكره وهو قول ابن المنذر، وقد ذكر شيخ الإسلام أن إبراهيم عليه السلام خَتَنَ إسحاق يوم سابعه، فكانت سنة في بنيه أي في بني إسحاق ومنهم اليهود، وختن إسماعيل عند بلوغه، فكانت سنة في بنيه. [مجموع الفتاوى 21/113، فتح الباري 10/343، الشرح الكبير 1/139، تحفة المودود ص185]

فإذا ثبت هذا فإن فعل اليهود يكون سنة إبراهيمية عن إبراهيم عليه السلام، والأظهر: أنه لا مانع من ذلك، وعلى هذا فلا تحديد لوقت الختان، لكن لا يبلغ إلا وقد اختتن.

وقد جاء عن جابر -رضي الله عنه- أنه قال: (عق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الحسن والحسين، وختنهما لسبعة أيام) [هق، والحديث ضعيف، وضعفه الشيخ ابن باز، ينظر إرواء الغليل 4/383]


** من لم يختن حتى مات، فإنه لا يختن باتفاق أهل العلم؛ لأن الفائدة منه في الحياة وهذا قد مات.


** اختلف العلماء في حكم الختان للرجل والمرأة على أقوال، لكنهم اتفقوا على أن الختان في حق الرجال والخفاض في حق الإناث مشروع: 

القول الأول: وهو مذهب الحنفية والمالكية وهو وجه شاذ عند الشافعية ورواية عن أحمد أن الختان سنة في حق الرجال، لكن لو اجتمع أهل بلدة على تركه حاربهم الإمام كما لو تركوا الأذان لأنه من شعائر الإسلام أما المرأة فختانها مستحب عند المالكية، وقال الحنفية وهو رواية عند الحنابلة أنه ختانها مكرمة وليس بسنة، وفي قول عند الحنفية: إنه سنة في حقهن، واستدلوا على السنية بما يأتي: 

1- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب) [خ 5889، م 257] ووجه الدلالة أن دلالة الاقتران هنا تقتضي أن الخمس كلها لها حكم واحد.

لكن أجيب على هذا أن الفطرة لا تعني السنة، ولو كانت تعني السنة فليس المراد منها السنة الاصطلاحية عند أهل الأصول، والصحيح أن قوله (من الفطرة) هذه اللفظة لا تفيد وجوبا ولا استحبابا بالتنصيص، وإنما تفيد أن هذا مشروع فقد يكون من الواجب وقد يكون من المستحب.

2- أن الختان فيه قطع جزء من الجسد ابتداء فلم يكن واجبا بالشرع قياسا على قص الأظفار. 

3- حديث أبي المليح بن أسامة عن أبيه مرفوعا: (الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء) [حم 20738، وضعفه الأرنؤوط] 

القول الثاني: وهو مذهب الشافعية والحنابلة أن الختان واجب على الرجال والنساء، بل قال النووي: "الختان واجب على الرجال والنساء عندنا، وبه قال كثيرون من السلف" [المجموع 1/349، الإنصاف 1/124] واستدلوا بما يأتي: 

1- قوله تعالى {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا}، وقد اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم.

2- عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده: (أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قد أسلمت، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ألق عنك شعر الكفر، قال: وأخبرني آخر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لآخر معه: ألق عنك شعر الكفر واختتن) [د 356، وضعفه الحافظ ابن حجر في الفتح 10/341، وحسنه الألباني]

3- حديث أنس -رضي الله عنه- مرفوعا: (إذا حفضت فأَشِمِّي وَلَا تَنْهَكِي، فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج) [هق 8/324 طب، طس 2/368، وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أنس إلا ثابت، ولا عن ثابت إلا زائدة بن أبي الرقاد، تفرد به محمد بن سلام الجمحي أحمد بن إبراهيم بن كيسان"، وحسن إسناده الهيثمي في مجمع الزوائد 5/312]

ومعنى أشمي أي اتركي الموضع أشم، والأشم: المرتفع.

وفي رواية عن أم عطية الأنصارية: (أن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم- لا تنهكي، فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل) [د 5271، وضعفه ابن الملقن، وقال العراقي في تخريج الإحياء: "حديث أم عطية أشمي ولا تنهكي الحديث، أخرجه الحاكم والبيهقي من حديث الضحاك بن قيس ولأبي داود نحوه من حديث أم عطية وكلاهما ضعيف"، وضعفه أبو داود، وصححه الألباني]

4- حديث عائشة -رضي الله عنها- مرفوعا: (إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل) [م 349]، وعنها -رضي الله عنها- أنها قالت: (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا) [جه 608، وصححه الألباني]، وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قعد بين شعبها الأربع وألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل) [د 216، وصححه الألباني]، قال النووي: "قال العلماء: معناه غيبت ذكرك في فرجها، وليس المراد حقيقة المس، وذلك أن ختان المرأة أعلى الفرج، ولا يمسه الذكر في الجماع، والمراد بالمماسة: المحاذاة ".

وأجيب عنه أنه من باب التغليب.

5- عن ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعا: (يا نساء الأنصار اختضبن غَمْسا، واختفضن ولا تُنهكن، وإياكن وكفران النعم) [رواه ابن عدي والبزار، وقال الحافظ: "وفي إسناد أبي نعيم مندل بن علي وهو ضعيف، وفي إسناد ابن عدي خالد بن عمرو القرشي وهو أضعف من مندل"، التلخيص الحبير 4/83، والحديث حكم ببطلانه ابن عدي، وقال ابن القيسراني: موضوع، ذخيرة الحفاظ 5/2765] 

6- أن الختان لو لم يكن واجبا لما جاز كشف العورة من أجله، ولما جاز نظر الخاتن إليها وكلاهما حرام، فاستباحة هذا الحرام لا يكون إلا لواجب.

وأجيب عنه بأن كشف العورة مباح للمصلحة كالتداوي، وليس ذلك واجبا اجماعا، وإذا جاز في المصلحة الدنيوية كان في المصلحة الدينية أولى.

7- أن الختان من شعار المسلمين فكان واجبا كسائر شعارهم.

8- أن بقاء القلفة يحبس النجاسة ويمنع صحة الصلاة فتجب إزالتها. 

القول الثالث: وهو قول سحنون من المالكية، ورواية عن أحمد واختيار ابن قدامة، أن الختان واجب على الرجال، ومكرمة في حق النساء وليس بواجب، وهو اختيار شيخنا رحمه الله، واستدلوا بأن الختان في حق الرجال فيه مصلحة تعود إلى شرط من شروط الصلاة وهي الطهارة، لأنه إذا بقيت القلفة فإن البول إذا خرج بقي وتجمع في القلفة وصار سببا إما لاحتراق أو التهاب، أو لكونه كلما تحرك خرج منه شيء فينتجس بذلك، وأما المرأة فإن غاية ما فيه من الفائدة أنه يقلل من شهوتها وهذا طلبُ كمال، وليس من باب إزالة الأذى.

واعلم أن العلماء اشترطوا لوجوب الختان ألا يخاف على نفسه، فإن خاف على نفسه من الهلاك أو المرض فإنه لا يجب، لأن الواجبات لا تجب مع العجز، أو مع خوف التلف، أو الضرر.