** الوضوء هو التعبد لله تعالى بغسل الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة، والأعضاء الأربعة هي الوجه واليدان والرأس والقدمان.
** النية شرط لصحة الوضوء عند الجمهور، وهي ركن عند الشافعية، وسبب الخلاف ترددها بين أن تشغل حيزا من العبادة فأشبهت الركن، وبين كونها يطلب الإتيان بها قبل العبادة، ويجب استصحابها في كل العبادة فأشبهت الشرط، فالشافعية في المشهور عندهم يطردون كونها ركنا إلا في الصوم، والحنابلة يطردون كونها شرطا إلا في النسك.
ودليل شرطيتها قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الأعمال بالنيات)، ولأنها عبادة مأمور بها فافتقرت إلى نية كسائر العبادات فإنه يجب عليه أن ينوي العبادة المأمور بها وأن يخلصها لله، لقوله تعالى {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}، ولا يقال إن الوضوء شرط للصلاة فيشبه طهارة الخبث والاستتار والاستقبال فلا تشترط له نية كما هو مذهب أبي حنيفة، لأن الوضوء عبادة في نفسه وشرط للصلاة، ولأن إزالة النجاسة من باب التروك ولهذا لا يحتاج إلى نية أصلا.
** اتفق العلماء على أن الجهر بالنية بدعة حتى ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن صاحبه يستحق التعزيز، فإن أسرَّ بها وتلفظ بلسانه من غير أن يجهر بها فالمشهور في المذهب مشرعية ذلك، ليواطىء اللسان القلب، والصحيح ما نص عليه الإمام أحمد وهو مذهب مالك واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أن ذلك ليس بمشروع، لعدم ثبوته.
** النية تكون قبل الفعل، فإن قدمها بزمن يسير عرفا فلا يضر ما لم يقطعها، وذهب بعض فقهاء الحنابلة كالقاضي إلى أنه لو قدمها بزمن كثير أيضا فإن ذلك لا يضر ما لم يقطعها.
** النية في الوضوء من الحدث لها أحوال:
الأولى: أن ينوي رفع الحدث، فإذا توضأ ناويا رفع الحدث فإن حدثه يرتفع، وهذا مذهب جماهير العلماء.
فإن اجتمعت عليه أحداث صغرى متفقة أو مختلفة، كبول وغائط ومذي ونحو ذلك، فنوى بوضوئه رفع واحد منها فالجمهور على أن وضوءه صحيح، وتتداخل الأحداث التي عليه، ويرتفع حدثه؛ لأن هذه الأحداث موجَبها واحد، فاكتفي فيه بوضوء واحد.
وفي وجه عند الحنابلة أنه لا يرتفع من أحداثه إلا ما نواه، وفي وجه آخر أنه إن نوى رفع الحدث الأول صح وضوءه، وإن نوى ما بعده لم يصح، وفي وجه عند الشافعية أنه إن نوى رفع الأخير صح وضوءه، وإلا فلا. [التداخل بين الأحكام في الفقه الإسلامي ص184 وما بعدها]
الثانية: أن ينوي الطهارة لما لا يباح إلا بها، كالصلاة ومس المصحف والطواف على قول، فإن ذلك يجزئه عند جمهور العلماء، لأن هذا الفعل متضمن لرفع الحدث؛ لأن هذه الأفعال لا تصح إلا بالطهارة ورفع الحدث.
الثالثة: أن ينوي ما تسن له الطهارة كقراءة القرآن من غير مس للمصحف، أو لذكر الله عز وجل، ففيه خلاف بين العلماء، ففي وجه للشافعية وهو المشهور عند الحنابلة أن ذلك يجزئه، لأن هذا الفعل متضمن لرفع الحدث، والقول الثاني وهو مذهب المالكية والوجه المصحح عند أكثر الشافعية وهو وجه عند الحنابلة أنه لا يجزئه؛ لأن هذه الأمور تستباح من غير طهارة، والصحيح هو القول الأول؛ لأن هذا المتوضيء قصد فعل هذه الأشياء على طهارة، ومن لازم ذلك ارتفاع الحدث، وإلا لم يكن على طهارة. [المجموع 1/366، المغني 1/79، مواهب الجليل 1/237]
الرابعة: أن ينوي تجديد الوضوء، ففيه خلاف بين العلماء، فالمشهور من مذهب الحنابلة أن ذلك يجزئه عن رفع الحدث بشرطين:
الشرط الأول أن يكون التجديد مسنونا، والتجديد المسنون أن يتوضأ على وضوء قد صلى به صلاة.
الشرط الثاني: أن يكون ناسيا حدثه، فإن كان ذاكرا لحدثه فإن ذلك لا يجزئه، لأنه تلاعب بالشرع أن ينوي التجديد وهو غير متوضأ أصلا.
ومثال حصول الشرطين: رجل عليه حدث، فلما أراد أن يصلي الظهر ظن أنه مازال على وضوئه من الفجر، فتوضأ وهو ناس لحدثه، فهذا الوضوء منه سنة؛ لأنه طارئ على وضوء، فهذا الوضوء رافع للحدث.
والقول الثاني عند الحنابلة وهو مذهب الجمهور أنه إن نوى تجديد الوضوء فإن ذلك لا يجزئه عن رفع الحدث؛ لأن هذه الطهارة ليس استحبابها بسبب الحدث، وليس قصد المتوضي إلا التجديد، وهذا أحوط. [المجموع 1/367، التاج والإكليل 1/342، مواهب الجليل 1/237]