الجمعة 20 جمادي الأولى 1446
حكم التسمية في الوضوء
الإثنين 07 فبراير 2022 2:00 مساءاً
557 مشاهدة
مشاركة

** اختلف العلماء في وجوب التسمية في الوضوء على أقوال: 

القول الأول: أنها واجبة في الوضوء ونحوه من الغسل والتيمم مع الذكر، فلو ترك التسمية عمدا بطل وضوؤه، وهذا مذهب الحنابلة والظاهرية واختاره الشوكاني، واستدلوا بما يأتي: 

1- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) [حم 9137، د 101، جه 399، ت 25، وحسنه العراقي وابن الصلاح وابن كثير وابن حجر والمنذري، وبالغ السيوطي وعده من المتواتر، وصححه الألباني، وحسنه في جامع الأصول، وضعفه الإمام أحمد والدارقطني وأبو حاتم والنووي والمنذري وابن الملقن وابن الجوزي في العلل المتناهية والقرافي، وقال ابن القيم: "في أسانيدها لين"، وأكثر العلماء المتقدمين على عدم صحته]

2- عن أنس -رضي الله عنه- قال: (نظر بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وَضوءا فلم يجدوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هاهنا ماء، قال: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده في الإناء الذي فيه الماء ثم قال: توضئوا بسم الله، فرأيت الماء يفور يعني بين أصابعه والقوم يتوضئون حتى توضئوا عن آخرهم، قال ثابت: قلت لأنس كم تراهم كانوا؟ قال: نحوا من سبعين) [حم 12283] والحديث أصله في البخاري ومسلم بدون الأمر بالتسمية.

القول الثاني: وهو قول الجمهور ورواية عن الإمام أحمد أنها سنة، بل قال صاحب الإنصاف: "هذا المذهب الذي استقر عليه قول أحمد" [الإنصاف 1/128]، واستدلوا بما يأتي:

1- أنها لم تذكر في آية المائدة.

2- حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وسأله عن الوضوء، فتوضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بدون أن يذكر البسملة وقال: "هذا الوضوء فمن زاد فقد أساء وتعدى وظلم" [حم 6646، د 135، ن 140، وقال الألباني: "حسن صحيح"] 

3- لم يذكرها أحد ممن روى وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم اثنان وعشرون صحابيا.

4- أن الغسل من الحدث الأكبر يجزيء عن الوضوء، ومع ذلك لا يجب التسمية فيه بل يسن على الصحيح.

5- أن الذين قالوا بالوجوب أكثرهم يقولون تسقط بالنسيان، ومن المعلوم أن ظاهر الحديث الذي استدلوا به يدل على الركنية، وأن الوضوء لا يصح بدون بسملة، فكيف يقال إنها تسقط بالنسيان، هذا مما يدل على اضطراب القول بالوجوب.

6- أن الحديث الذي استدلوا به من العلماء من ضعفه.

القول الثالث: وهو مذهب الإمام أحمد في رواية عنه واختارها أبو الخطاب من الحنابلة والمجد ابن تيمية وابن عبد القوي أن التسمية فرض عند الذكر والنسيان، فلو تركها ناسيا فإن وضوءه باطل، واستدلوا بالحديث السابق، وحملوه على الأصل وهو نفي الوجود ثم الصحة.

أما حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعا: (إن الله وضع -وفي رواية: تجاوز- عن أمتي عن الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه) [جه 2045، وحسنه النووي، وصححه ابن حزم، وحسنه ابن تيمية في مجموع الفتاوى 10/762، وقال أبو حاتم الرازي: "منكر، كأنه موضوع"، البدر المنير 4/177، وأنكره الإمام أحمد جدا، وقال: "ليس يروى هذا إلا عن الحسن عن النبي -صلى الله عليه وسلم-"، التلخيص الحبير 2/464، وقال ابن رجب: "إسناده صحيح في ظاهر الأمر ... ولكن له علة"، جامع العلوم والحكم 2/361، وصححه الألباني، وقال الشنقيطي: "أعله أحمد وابن أبي حاتم إلا أنه قد تلقاه العلماء بالقبول وله شواهد"، مذكرة الأصول 45] فقالوا: إن المقصود بالتجاوز هو التجاوز عن الإثم، فمن صلى بوضوء بلا تسمية ناسيا لم يأثم، لكن لا يسقط بذلك الواجب كما لو نسي الواجبات الأخرى، فإن الواجب لا يسقط بالنسيان.

والراجح هو القول الثاني، فإن قيل على ماذا يحمل حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-؟ 

فالجواب أنه يحمل على الاستحباب، وأنه لا وضوء كاملا، هذا ما ذكره العلماء لكن يشكل على هذا أن النفي الذي يرد في الشريعة الأصل فيه أن يكون نفيا للوجود فإن تعذر فيكون نفيا للصحة، فإن تعذر فيكون نفيا للكمال، لكن عندما يكون نفيا للكمال فالمقصود بالكمال هو الكمال الواجب لا الكمال المستحب، فيكف يقال مع هذا إن التسمية مستحبة؟

ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فأما إذا كان الفعل مستحبا في العبادة، لم ينفها لانتفاء المستحب، فإن هذا لو جاز لجاز أن ينفى عن جمهور المؤمنين اسم الإيمان والصلاة والزكاة والحج، لأنه ما من عمل إلا وغيره أفضل منه، وليس أحد يفعل أفعال البر مثل ما فعلها النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل ولا أبو بكر ولا عمر، فلو كان من لم يأت بكمالها المستحب يجوز نفيها عنه، لجاز أن ينفى عن جمهور المسلمين من الأولين والآخرين، وهذا لا يقوله عاقل، فمن قال: إن المنفي هو الكمال، فإن أراد أنه نفي الكمال الواجب الذي يذم تاركه، ويتعرض للعقوبة، فقد صدق، وإن أراد أنه نفي الكمال المستحب، فهذا لم يقع قط في كلام الله ولا رسوله، ولا يجوز أن يقع، فإن من فعل الواجب كما وجب عليه، ولم ينتقص من واجبه شيئا، لم يجز أن يقال ما فعله لا حقيقة ولا مجازا، فإذا قال للأعرابي المسيء صلاته: (ارجع فصلي فإنك لم تصل)، وقال لمن صلى خلف الصف - وقد أمره بالإعادة: (لا صلاة لفذ خلف الصف) كان لترك واجب ..." [الإيمان ص 11، 12] وهو كلام متين منه رحمه الله تعالى.

وقال أيضا: "العمل لا يكون منفيا إلا إذا انتفى شيء من واجباته، فأما إذا فعل كما أوجبه الله عز وجل، فإنه لا يصح نفيه لانتفاء شيء من المستحبات التي ليست بواجبة، وأما ما يقوله بعض الناس: إن هذا لنفي الكمال ... فالجواب: نعم هو لنفي الكمال، لكن لنفي كمال الواجبات أو لنفي كمال المستحبات؟ فأما الأول فحق، وأما الثاني فباطل، لا يوجد مثل ذلك في كلام الله عز وجل ولا في كلام رسوله قط، وليس بحق، فإن الشيء إذا كملت واجباته فكيف يصح نفيه" [الفتاوى 22/530] 

وعلى هذا فالجواب عن الحديث من وجهين:

الأول: أن الحديث شاذ لمخالفته لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- المستفيضة عنه، وقد ضعفه الإمام أحمد بن حنبل وقال: "ليس يثبت فيها -أي في التسمية- حديث، ولا أعلم حديثا له إسناد جيد" [المغني 1/145، شرح العمدة 1/169]

الثاني: أن معنى التسمية في الحديث النية، أي لا وضوء لمن لم ينوه، ويدل لهذا ما جاء عن ربيعة الرأي أنه قال: "تفسير حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) أنه الذي يتوضأ ويغتسل ولا ينوي وضوءا للصلاة ولا غسلا للجنابة" [د 102، وقال الألباني: "صحيح مقطوع"] لكن هذا المعنى لا يخفى بعده عن ظاهر النص.