** المضمضة مأخوذة من قولهم: مضمضت الحية إذا تحركت في جحرها، فأصل المضمضة: التحريك، ويتفرع على هذا لو أنه أدخل الماء في فمه ثم ألقاه ولم يحركه فهل يجزئه ذلك؟ على قولين.
** الاستنشاق من النشق، وهو: جذب الشيء بالنفس إلى أعلى الخياشيم، ومنه: النشوق، ويكون عن طريق الأنف.
** المضمضة والاستنشاق تكونان باليد اليمنى؛ لأنهما من التعبد لله، بخلاف الاستنثار فإنه إزالة أذى فيستحب أن يكون بيده اليسرى.
** اختلف العلماء في وجوب المضمضة والاستنشاق على أقوال:
القول الأول: أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء والغسل، وهذا مذهب أهل الحديث ومذهب الإمام أحمد، واستدلوا بما يأتي:
1- قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} والفم والأنف من الوجه، لأن الوجه هنا مجمل من حيث دخول الفم والأنف فيه أو عدم دخولهما، وقد بينه النبي -صلى الله عليه وسلم- بمداومته على غسلهما في وضوئه، وفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان بيانا لمجمل فإنه يأخذ حكم المجمل.
ولأن الوجه ما يواجه به، وهذه الأعضاء تتم بها المواجهة كما تتم المواجهة ببقية أجزاء الوجه.
ورد هذا بأن الذي يغسل في المضمضة والاستنشاق ليس ظاهر الفم والأنف وإنما باطنهما، والباطن ليس مما يواجه به، ولهذا لم يجب تخليل اللحية الكثيفة، مع أن اللحية يواجه بها، لأن ما داخل اللحية ليس مما تحصل به المواجهة.
وأجيب بأن باطن الفم والأنف من الوجه، ولهما حكم الظاهر لا الباطن، بدليل أن الصائم إذا تمضمض واستنشق لم يبطل صيامه، وإذا ذرعه القيء فوصل إلى فمه فبلعه أفطر، ولو كان الفم من الباطن لم يفطر بذلك، وإذا وضع اللبن في فم الرضيع ولم يصل لجوفه لم تنتشر حرمة الرضاع، فدل هذا على أن لهما حكم الظاهر لا الباطن.
ورد هذا بأن اعتبار الفم والأنف في الصوم من الظاهر إنما هو اعتبار حكمي، لا يطرد فيه غيره من المسائل، بل هو حكم من الشارع في هذه العبادة المخصوصة، وأيضا لا يلزم من كون الأنف والفم لهما حكم الظاهر وجوب غسلهما، فإن داخل العينين لهما حكم الظاهر ولا يجب غسلهما.
2- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ثم لينثر، ومن استجمر فليوتر، وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) [خ 162] ولفظ مسلم: (إذا استجمر أحدكم فليستجمر وترا، وإذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر) [م 237]
لكن يشكل على هذا الاستدلال أنه يلزم منه وجوب الاستنثار، وقد قال النووي إنه ليس بواجب بالاتفاق، لكن قد ورد عن الإمام أحمد القول بوجوب الاستنثار، وهو مذهب داود وأبي ثور وابن المنذر. [شرح مسلم 3/476، نيل الأوطار 1/177]
3- حديث لقيط بن صَبِرة -رضي الله عنه-: (أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) [د 142، ن 114، جه 407، ت 788، وصححه ابن حجر والنووي وغيرهما]
4- قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث لقيط بن صَبِرة -رضي الله عنه-: (أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) زاد في رواية أبي داود: (إذا توضأت فمضمض) فأمر بالمضمضة. [د 142، قال ابن ملفح: "إسناده جيد"، وصححه الحافظ ابن حجر في الفتح 1/315، والنووي في المجموع، وصححه الألباني والعودة، ورجح الدبيان أن هذه الزيادة شاذة - كتاب الحيض ص 399]
5- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- داوم على المضمضة والاستنشاق، ولم يصح عنه -صلى الله عليه وسلم- حديث في أنه ترك المضمضة والاستنشاق مع اقتصاره -صلى الله عليه وسلم- على أقل ما يجزيء حين توضأ مرة مرة، كما ذكر ذلك ابن قدامة وابن تيمية وابن القيم.
القول الثاني: أن المضمضة والاستنشاق سنتان في الوضوء والغسل، وهذا مذهب مالك والشافعي، ومن أدلتهم:
1- أنها لم تذكر في القرآن، وقد جاء في حديث المسيء صلاته في رواية السنن من حديث رفاعة بن رافع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للمسيء صلاته: (توضأ كما أمرك الله) [ت 302، د 856، وصححه الألباني]
ولكن هذا الدليل عليه اعتراض وهو أن السنة مبينة للقرآن وقد تأتي بأحكام ليست في القرآن، أما الحديث فسيأتي الجواب عنه في القول الثالث
2- حديث: (عشر من سنن المرسلين -وذكر منها- المضمضة والاستنشاق)
لكن هذا الدليل عليه إيرادان:
الأول: أنه لا يصح بهذا اللفظ وإنما هو بلفظ: (عشر من الفطرة) كما قال الحافظ ابن حجر، وسنن الفطرة منها الواجب ومنها المستحب
والحديث فيه مقال، فعن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعا: (عشر من الفطرة: قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم - عقد الأصبع ومفاصلها - ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء -أي الاستنجاء-، قال زكرياء قال مصعب -أحد الرواة- ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة) [م 261] وقد أعِل الحديث بسبب مصعب بن شيبة، فأعله الإمام أحمد والنسائي والدارقطني، وقال النسائي: مصعب منكر الحديث، وقال ابن منده: تركه البخاري فلم يخرجه وهو حديث معلول.
وعن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من الفطرة المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط والاستحداد وغسل البراجم والانتضاح -وهو نضح الفرج بشيء من الماء- والاختتان) [جه 294، وحسنه الألباني]
وقال الحافظ ابن حجر: "حديث عشر من السنة وعد منها المضمضة والاستنشاق، مسلم من حديث عائشة وأبو داود من حديث عمار بلفظ عشر من الفطرة، وصححه بن السكن وهو معلول" [التلخيص الحبير 1/77]
الثاني: أنه على فرض صحته فالمقصود بالسنة الطريقة لا السنة اصطلاحا.
3- حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعا: (المضمضة والاستنشاق سنة) [قط 1/85، وضعفه الدارقطني، والحافظ في التخليص الحبير]
القول الثالث: أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الغسل وسنتان في الوضوء، وهذا مذهب أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد، ومن أدلتهم:
1- عن أبي ذر -رضي الله عنه- مرفوعا: (إن الصعيد الطيب طَهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير) [حم 21058، د 333، ت 124 واللفظ له، ن 322، وصححه الألباني]، وقد ورد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (الصعيد وَضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشره، فإن ذلك خير) [البزار 17/309] والحديث مختلف في صحته، فصححه الترمذي والحاكم وأبو حاتم والنووي وابن دقيق العيد، وضعف ابن القطان رواية أبي ذر وصحح رواية أبي هريرة، لكن قال الدارقطني في العلل في رواية أبي هريرة إن إرساله أصح.
وأجيب عنه بأنه ليس فيه دلالة على عدم وجوب المضمضة والاستنشاق، وإلا لصح الاستدلال به على عدم وجوب مسح الشعر.
2- ما جاء في حديث المسيء صلاته في رواية السنن من حديث رفاعة بن رافع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (توضأ كما أمرك الله) [ت 302، د 856]
والاستدلال بهذا الحديث يتوقف على صحته، وإن صح فليس فيه دلالة قوية، أما الحديث ففي سنده عند الترمذي وأبي داود يحي بن علي بن يحي بن خلاد بن رافع: مقبول، وقد روى الحديث عن جده، وقال الحافظ في تهذيب التهذيب: "روى عن أبيه عن جده، وقيل عن جده"، وصححه الألباني.
والجواب عن هذا الاستدلال أن يقال قد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمر بالمضمضة والاستنشاق والواجب الأخذ بما صح عنه، ولا يكون الاقتصار على البعض في مباديء التعليم ونحوها موجبا لصرف ما ورد بعده وإخراجه عن الوجوب والإلزام.
3- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر وأنقوا البَشَرَ) [ت 106، د 248، جه 598، وضعفه جماعة من العلماء كما سيأتي، وضعفه الألباني] وهذا دليل على وجوب المضمضة والاستنشاق في الغسل، لأن في الفم بشرة وفي الأنف شعر، فيجب إيصال الماء إليهما في غسل الجنابة.
وأجيب بأن الحديث ضعيف قال أبو دواد "حديث منكر وهو ضعيف"، وضعفه الشافعي ويحيى بن معين والبخاري والبيهقي والدارقطني والخطابي وابن حجر والنووي والبغوي وابن عبد البر وابن حزم وابن الجوزي. [التلخيص الحبير 1/248، المجموع 2/213
القول الرابع: أن الاستنشاق واجب في الوضوء والغسل دون المضمضة، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد وهو مذهب أبي ثور وبعض الظاهرية واختاره ابن المنذر، واستدلوا بأن النصوص في الاستنشاق أصرح وأوكد.
وأجيب عنه بأن حديث لقيط بن صَبِرة السابق ظاهر في الأمر بالمضمضة في الوضوء.
القول الخامس: أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء دون الغسل، وهذا القول عكس قول الحنفية، وقد ذكره في الفروع رواية عن الإمام أحمد [الفروع 1/144]، وهو قول قوي وإن كان الأول أحوط، لأن الأوامر التي جاءت في الأمر بالمضمضة والاستنشاق إنما وردت في الوضوء، أما الغسل فإن عدة أدلة تدل على أنهما غير واجبين فيه، ومن ذلك ما يأتي:
1- عموم قوله تعالى {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا}، وقوله تعالى {وإن كنتم جنبا فاطهروا} ولم يذكر سوى الغسل، وهو لغة لا يدخل فيه المضمضة والاستنشاق.
2- عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- في حديث طويل: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شرب هو وأصحابه من مزادة امرأة مشركة، وأعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء المزادة، وقال: اذهب فأفرغه عليك) [خ 344، م 682]
3- حديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: (قلت يا رسول الله: إني امرأة أشد ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين) [م 330]
4- أنه لا يمكن قياس وجوب المضمضة والاستنشاق في الغسل على وجوبهما في الوضوء، لأنه الغسل فرض مختلف، ولأن الترتيب والموالاة فرضان في الوضوء وليسا كذلك في الغسل.
وقد بوب البخاري "باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة"، وأورد فيه حديث ميمونة -رضي الله عنها- قالت: (صببت للنبي -صلى الله عليه وسلم-، غسلا فأفرغ بيمينه على يساره، فغسلهما ثم غسل فرجه، ثم قال بيده الأرض فمسحها بالتراب، ثم غسلها، ثم تمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه، وأفاض على رأسه، ثم تنحى فغسل قدميه، ثم أتي بمنديل فلم ينفض بها) [خ 259]، وظاهر التبويب أن البخاري يرى المضمضة والاستنشاق في الغسل، لكن قال الحافظ: "قوله باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة، أي في غسل الجنابة والمراد هل هما واجبان فيه أم لا؟ وأشار ابن بطال وغيره إلى أن البخاري استنبط عدم وجوبهما من هذا الحديث، لأن في رواية الباب الذي بعده في هذا الحديث: ثم توضأ وضوءه للصلاة، فدل على أنهما للوضوء، وقام الإجماع على أن الوضوء في غسل الجنابة غير واجب، والمضمضة والاستنشاق من توابع الوضوء، فإذا سقط الوضوء سقطت توابعه، ويحمل ما روي من صفة غسله صلى الله عليه وسلم على الكمال والفضل" [الفتح 1/372]، والحديث الذي بعده عن ميمونة -رضي الله عنها-: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اغتسل من الجنابة، فغسل فرجه بيده، ثم دلك بها الحائط، ثم غسلها، ثم توضأ وضوءه للصلاة، فلما فرغ من غسله غسل رجليه) [خ 260]، فالمضمضة والاستنشاق كانتا من الوضوء، لا من الغسل.
القول السادس: أن الاستنشاق واجب في الوضوء فقط، وليس واجبا في الغسل، والمضمضة سنة فيهما، وهو رواية عن الإمام أحمد.
** اختلف العلماء في صفة المضمضة والاستنشاق، على أقوال منها:
القول الأول: أن السنة أن يتمضمض ويستنشق بغرفة واحدة في كل مرة، فيصل بين المضمضة والاستنشاق، فيأخذ نصف الغرفة لفمه، ونصفها لأنفه، وهذا ما ذهب إليه ابن القيم [زاد المعاد 1/192] والنووي [المجموع 1/360] وجماعة من العلماء، واستدلوا بما يأتي:
1- عن عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- في وصفه لوضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه: (دعا بتَوْر -قدر من الحجارة- من ماء فتوضأ لهم، فكفأ على يديه فغسلهما ثلاثا، ثم أدخل يده في الإناء فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات من ماء، ثم أدخل يده في الإناء فغسل وجهه ثلاثا، ثم أدخل يده في الإناء فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين، ثم أدخل يده في الإناء فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر بهما، ثم أدخل يده في الإناء فغسل رجليه) [خ 192، م 235] وفي لفظ للبخاري ومسلم: (فمضمض واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثا) [خ 191، م 235]
2- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم: (توضأ مرة مرة جمع بين المضمضة والاستنشاق) [دمي 697، وصححه النووي في المجموع 1/360، وفي إسناده عبد العزيز الدراوردي]
3- أنه لم يأت الفصل بين المضمضة والاستنشاق في حديث صحيح، أما حديث طلحة عن أبيه عن جده قال: (دخلت يعني على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره، فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق) [د 139، وضعفه الحافظ في التلخيص 1/78، وضعفه النووي في المجموع 1/360، وضعفه الألباني، والمعلق على زاد المعاد] فالحديث في سنده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، ووالد طلحة مجهول.
4- أن أحاديث الوصل أكثر وأصح من أحاديث الفصل، ولأن الوصل فيه إسراف. [شرح العمدة لابن تيمية 1/176]
القول الثاني: أنه يفصل بين المضمضة والاستنشاق، وهو قول عند الشافعية، واستدلوا بما يأتي:
1- حديث عثمان -رضي الله عنه- في صفة الوضوء أنه سئل عن الوضوء: (فدعا بماء فأتي بميضأة فأصغاها على يده اليمنى ثم أدخلها في الماء فتمضمض ثلاثا واستنثر ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا) الحديث [د 108، وصححه الألباني، وأصله في الصحيحين لكن دون ذكر الفصل بين المضمضة والاستنشاق]
2- عن علي -رضي الله عنه- أنه: (توضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما ثم مضمض ثلاثا، ثم استنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، وذراعيه ثلاثا، ومسح برأسه، وغسل قدميه إلى الكعبين، وأخذ فضل طهوره فشرب وهو قائم، ثم قال: أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) [رواه عبد الله بن أحمد في المسند 1049، ت 48، وصححه أحمد شاكر، والألباني، انظر شرح العمدة لابن تيمية 1/176]
3- حديث طلحة عن أبيه عن جده السابق، وهو ضعيف.
والأقرب أن كلا الأمرين جائز لورود السنة بهما، وقد ذكر النووي في المسألة خمسة أوجه:
الوجه الأول: أن يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات، يتمضمض من كل واحدة ثم يستنشق، وهذا الوجه صححه النووي.
الوجه الثاني: أن يجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة، فيتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها ثلاثا بلا خلط.
الوجه الثالث: أن يجمع بينهما بغرفة واحدة، ولكن يتمضمض منها ثم يستنشق يفعل ذلك ثلاثا، ففي هذا خلط بين المضمضة والاستنشاق.
الوجه الرابع: يفصل بينهما بغرفتين، فيتمضمض من إحداهما ثلاثا، ثم يستنشق من الأخرى ثلاثا.
الوجه الخامس: أن يفصل بين المضمضة والاستنشاق بست غرفات، وهو أضعف الأوجه على ما قاله النووي.
[انظر شرح العمدة 1/176، فتح الباري 1/291، التلخيص الحبير 1/87-81، زاد المعاد 1/192، المجموع شرح المهذب 1/362، التحديث بما قيل لا يصح فيه حديث ص 30]
** هل تجب المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم، كما في حديث لقيط بن صَبِرة السابق؟ الجواب: لا يجب ذلك بل يسن، ولهذا قال ابن قدامة لا أعلم في هذا خلافا، ويدل لذلك الاستثناء في الحديث (إلا أن تكون صائما)، فلو كانت المبالغة واجبة لكن الصائم مأمورا بالتحري في التوفيق بين الواجبين، واجب المحافظة على صيامه وواجب المبالغة في الاستنشاق، فلما أمر الصائم بترك المبالغة مطلقا دل على أنها سنة في الأصل وليست واجبة.
** هل تجب المضمضمة والاستنشاق مع غسل الوجه؟ فيه روايتان عن الإمام أحمد، الأولى أن المضمضة والاستنشاق يجب أن يكونا مع غسل الوجه، لأنهما من أجزاء الوجه، وهذا هو المحفوظ من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، والرواية الثانية أنه إن تمضمض واستنشق بعد أي عضو أجزأه، لأن وجوبهما -أي المضمضة والاستنشاق- لم يعلما بنص القرآن والترتيب إنما يجب بين الأعضاء المذكورة في القرآن ليبدأ بما بدأ الله به.