** غسل الوجه فرض باتفاق أهل العلم، لقول الله تعالى {فاغسلوا وجوهكم}، والغسل هو سيلان الماء على العضو فلا يكفي فيه المسح.
** اختلف العلماء في حد الوجه طولا على قولين:
القول الأول: أن حد الوجه طولا من منبت الشعر المعتاد إلى أسفل الذقن طولا، وهو مذهب الجمهور.
القول الثاني: أن حد الوجه طولا من منحدر الجبهة إلى أسفل الذقن طولا، وهو قول لبعض الشافعية وهو أقرب.
** اختلف العلماء في حد الوجه عرضا على قولين:
القول الأول: أن حده عرضا من الأذن إلى الأذن، وعلى هذا فالبياض الذي بين العذار -وهو الشعر النابت مقابل صماخ الأذن- والأذن داخل في الغسل، وهو مذهب الجمهور.
القول الثاني: أن حده عرضا يفرق فيه بين الملتحي وغير الملتحي، فالأمرد حده عرضا من الأذن إلى الأذن، أما الملتحي فحده من العذار إلى العذار، وعلى هذا فالبياض بين العذار والأذن غير داخل في مسمى الوجه للملتحي، وهذا مذهب أبي يوسف من الحنفية، وهو قول عند المالكية. [المبسوط 1/6، المغني 1/82، المجموع 1/405، المنتقى 1/35]
** كم مرة يغسل وجهه؟
السنة جاءت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا، وخالف النبي -صلى الله عليه وسلم- أحيانا، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة) [خ 157]، وعن عبد الله بن زيد -رضي الله عنه-: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين) [خ 158]، وفي حديث حُمرَان مولى عثمان: (أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرار فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرار، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين) [خ 160، م 226]، أما المخالفة في العدد بين الأعضاء فقد ثبت أن رجلا قال لعبد الله بن زيد: أتستطيع أن تريني كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد نعم، فدعا بماء: (فأفرغ على يديه فغسل مرتين، ثم مضمض واستنثر ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه) [خ 185، م 235] فعلى هذا من السنة أن ينوع الإنسان بين هذه الأمور.
** ما معنى المرة؟ المرة معناها أن يستوعب المتوضيء غسل العضو مرة واحدة. [انظر شرح العمدة لشيخ الإسلام 1/ 212]
** التخليل: تفعيل من الخلل، وخلل الشيء: أجزاؤه والمناسم التي فيه، تقول: رأيته من خلل الباب، أي: من المناسم الموجودة فيه وهي الفتحات الصغيرة.
** هل يجب تخليل اللحية؟
جمهور العلماء على وجوب غسل البشرة إن كان يغطيها لحية خفيفة، لأن الوجه هو ما تحصل به المواجهة، والبشرة ظاهرة فتحصل بها المواجهة، أما إذا كانت اللحية كثيفة، ففي تخليلها أقوال للعلماء:
القول الأول: أن تخليل اللحية واجب مطلقا، وهذا مذهب أبي ثور وقول عند الحنابلة، واستدلوا بأنه من الوجه وبحديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه، فخلل به لحيته، وقال: هكذا أمرني ربي عز وجل) [د 145، وصححه الألباني]
وأجيب عنه بأن هذا الحديث من العلماء من ضعفه كابن حجر، ومن العلماء من حسنه كالنووي حيث قال: "وإسناده حسن أو صحيح" [المجموع 1/410]، والحديث في إسناده الوليد بن زوران قال عنه الحافظ ابن حجر: "لين الحديث"، فإن قلنا بضعف الحديث فلا حجة فيه، وإن قلنا بثبوته فلا يدل على الوجوب لأن قوله (أمرني ربي) هذا على سبيل السنية أو هو مشعر بالخصوصية بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر أمته بذلك، والدليل على أنه على سبيل السنية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان كثيف اللحية وغسل وجهة بغرفة واحدة، ومن المعلوم أن الغرفة الواحدة لا يمكن بها غسل جميع الوجه مع تخليل اللحية، والدليل على أنه غسل وجهه بغرفة واحدة حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: (أنه توضأ فغسل وجهه، أخذ غرفة من ماء فمضمض بها واستنشق، ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى فغسل بهما وجهه، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح برأسه ثم أخذ غرفة من ماء فرش على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله يعني اليسرى ثم قال: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ) [خ 140].
القول الثاني: أن تخليل اللحية ليس بواجب مطلقا، وهذا مذهب المالكية والظاهرية، إلا أن الإمام مالك له قول ثان يوافق فيه رأي الجمهور.
القول الثالث: أن تخليل اللحية واجب في الغسل دون الوضوء، لأن الغسل يجب فيه إيصال الماء إلى البشرة وتعميم الجسم، بخلاف الوضوء فهو أيسر، وهذا مذهب جمهور العلماء، واستدلوا على التفريق بين الغسل والوضوء بما يأتي:
1- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر وأنقوا البَشَرَ) [ت 106، د 248، جه 598، وضعفه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 1/248، وضعفه النووي ونقل تضعيفه عن الشافعي ويحيى بن معين والبخاري وأبو داود وغيرهم، المجموع 2/213، والحديث ضعفه الألباني]
2- عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- مرفوعا: (من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء، فعل الله به كذا وكذا من النار) [حم 729، د 249، جه 599، وحسنه النووي في المجموع 1/401، وضعفه في موضع آخر 2/213، والصحيح أن الحديث لا يثبت مرفوعا كما رجحه الدارقطني وغيره، بل قال عبد الحق: الأكثرون قالوا بوقفه، وضعفه الألباني، وقال شعيب الأرنؤوط: "إسناده مرفوعا ضعيف، عطاء بن السائب اختلط بأخرة، وعامة من رفع عنه هذا الحديث، فإنما رواه بعد اختلاطه"]
3- حديث عائشة -رضي الله عنها- أن أسماء بنت شَكَل سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عن غسل المحيض فقال -صلى الله عليه وسلم-: (تأخذ إحداكن ماءها وسِدْرتها -السدر النبات المعروف ويستخدم لتنظيف البدن- فَتَطَهَّر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شؤون رأسها) [خ 314، م 332، واللفظ لمسلم]
وأجيب عنه بأنه دليل على وجوب إيصال الماء إلى أصول الشعر، وليس فيه وجوب التخليل، بل بأي سبيل وصل الماء إلى أصول الشعر أجزأ.
4- عن عمار بن ياسر قال: (رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخلل لحيته) [ت 29، جه 429، وصححه الترمذي والبخاري كما نقل عنه ذلك الترمذي في كتابه العلل، وكذلك صححه النووي وابن حجر وابن خزيمة وغيرهم، ومن المتأخرين صححه الألباني] وعن عثمان بن عفان -رضي الله عنه-: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته) [ت 31، وصححه الألباني]، إلا أن الأئمة أحمد وأبي حاتم وأبي زرعة قد ضعفوا كل أحاديث تخليل اللحية، وقد قال الإمام أحمد: "ليس يثبت فيه حديث"
وأجيب عنه بأنه مجرد فعل، وفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- المجرد عن القرائن لا يدل على الوجوب.
والأقرب أنه إذا كانت اللحية كثيفة سن التخليل، ولا يجب لا في الوضوء ولا في الغسل، ويدل لذلك حديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: (قلت يا رسول الله: إني امرأة أشد ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة - وفي رواية: للحيضة والجنابة -؟ قال: لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين) [م 330] فدل على أن التخليل غير واجب.
** هل يجب غسل المسترسل من اللحية؟ فيه خلاف بين العلماء:
القول الأول: أنه يجب غسل المسترسل من اللحية، وهو مذهب الشافعية والحنابلة وقول عند المالكية؛ لأن الوجه ما تحصل به المواجهة، وظاهر اللحية يحصل به المواجهة، بخلاف المسترسل من الشعر، فإنه ليس من الرأس، لأن الرأس هو ما يحصل به الترأس والمسترسل من الشعر لا يحصل به ذلك.
القول الثاني: وهو مذهب الحنفية وقول للمالكية، وقول للشافعية، ورواية عن الإمام أحمد أنه لا يجب ذلك؛ لأنها خارجة عن دائرة الوجه. [المجموع 1/415، الموسوعة الكويتية 11/52، 35/229]