الجمعة 20 جمادي الأولى 1446
من شروط المسح أن يكون في المدة المحددة شرعا
الإثنين 11 أبريل 2022 2:00 مساءاً
626 مشاهدة
مشاركة

** هل للمسح وقت محدد؟ فيه خلاف بين العلماء على أقوال:

القول الأول: وهو مذهب المالكية أنه ليس في المسح على الخفين توقيت، وللإنسان أن يمسح كما شاء ولا يخلع الخف إلا من جنابة، واستدلوا بأدلة منها:

1- حديث أبي عمارة -رضي الله عنه- أنه قال يا رسول الله: (أمسح على الخفين؟ قال: نعم، قال: يوما؟ قال: يوما، قال ويومين؟ قال: ويومين، قال: وثلاثة؟ قال: نعم وما شئت) [جه 557، د 158، وضعفه الألباني].

وأجيب عنه من وجهين: 

الأول: أنه حديث ضعيف ففيه اضطراب وجهالة بعض رجاله، وقد ضعفه البخاري وابن عبد القوي ونقل النووي الاتفاق على ضعفه [المجموع 1/509]

الثاني: لو صح لكان محمولا على جواز المسح أبدا بشرط مراعاة التوقيت، لأنه إنما سأل عن جواز المسح لا عن توقيته، فيكون كقوله صلى الله عليه وسلم (الصعيد الطيب طهور المؤمن وإن لم يجد الماء عشر سنين) فإن معناه أن له التيمم مرة بعد أخرى وإن بلغت مدة عدم الماء عشر سنين، وليس معناه أن مسحة واحدة تكفيه عشر سنين، فهذا مثله أنه له الترخص بالمسح أبدا بشرط مراعاة التوقيت المذكور شرعا.

2- حديث خزيمة بن ثابت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة) قال: "ولو استزدناه لزادنا" [حم 21350، د 157، وصححه الألباني] 

وأجيب عنه من وجهين: 

الأول: أنه منقطع، وقد ضعفه البيهقي والبخاري، قال البخاري: "لا يصح عندي لأنه لا يعرف للجدلي سماع من خزيمة"، والجَدَلِي هو أبو عبد الله الجدلي الراوي عن خزيمة بن ثابت، وفي الحديث: إبراهيم بن يزيد التيمي: ثقة يدلس ويرسل، وقد عنعنه، وقال النووي: "حديث خزيمة ضعيف بالاتفاق" [المجموع 1/509] 

والثاني: لو صح فقوله (ولو استزدناه لزادنا) هو ظن من صحابي، وكيف يقدم الظن على يقين، فاليقين هو تحديد المسح كما جاء في نفس الحديث.

3- حديث عمر -رضي الله عنه- مرفوعا: (إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليمسح عليهما وليصل فيهما، ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة) [هق 1243، قط 1/203، وقال ابن عبد الهادي: "إسناد هذا الحديث قوي" تنقيح التحقيق 1/189، وصححه الألباني في صحيح الجامع] 

ولكن يجاب عن هذا الاستدلال بجوابين: 

الأول: أنه شاذ كما أشار إلى ذلك الحاكم، وصرح به الذهبي وغيره. [المستدرك 1/290]، وهذا الحديث ورد من طرق عن أنس -رضي الله عنه- مرفوعا، وورد من طرق أخرى موقوفا على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ولهذا اختلف العلماء في رفعه ووقفه.

والثاني: لو صح فهو مقيد بأحاديث التوقيت.

4- أثر عقبة بن عامر الجهني: "أنه قدم على عمر بن الخطاب من مصر، فقال: منذ كم لم تنزع خفيك؟ قال من الجمعة إلى الجمعة، قال: أصبت السنة" [جه 558، وسنده صحيح، وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 21/178، وصححه الألباني، انظر الصحيحة 2622]، وفي رواية البيهقي: "عن عقبة بن عامر الجهني قال: خرجت من الشام إلى المدينة"، وفي رواية: "عن عقبة بن عامر أنه بعثه أبو عبيدة بريدا بفتح دمشق" [البداية والنهاية 9/587]

ويجاب عن هذا الاستدلال بجوابين: 

الأول: أنه رأي صحابي وهو في مقابلة النص، وقد يعترض على هذا الجواب بأن قول عمر "أصبت السنة" يدل على أن الحديث له حكم الرفع، لكن أكثر الرواة رووا هذا الأثر بلفظ: "أصبت"، ولهذا حكم الدارقطني على زيادة لفظة: "السنة" بالشذوذ، ولا شك أن هذه الزيادة مؤثرة، فإنها تنقل الحديث من كونه موقوفا إلى كونه مرفوعا. [العلل 2/100، وانظر موسوعة الدبيان: المسح على الخفين ص 370] 

والثاني: أن هذا الأثر يحمل على الاضطرار، فالمضطر يجوز له ترك التوقيت وعدم اعتباره.

القول الثاني: وهو مذهب جمهور العلماء أن المسح على الخفين موقت بيوم وليلة للمقيم، وبثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، واستدلوا بأدلة منها:

1- حديث علي -رضي الله عنه- أن شريح بن هانيء سأله عن المسح على الخفين فقال: (جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أيام ولياليَهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم) [م 276] يعنى في المسح على الخفين.

2- حديث صفوان بن عسال -رضي الله عنه- قال: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سَفَرَا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط ونوم وبول) [حم 17625، ت 96، ن 126، جه 478، وحسنه الألباني]

3- عن أبي بكرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما) [خز 192، هق 1/281 وصححه الخطابي ونقل البيهقي أن الشافعي صححه، وقال الأعظمي -المحقق-: "رجال إسناده ثقات غير االمهاجر بن مخلد فهو لين الحديث كما قال أبو حاتم والحديث صحيح"] 

4- عن عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه-: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام للمسافر ولياليهن وللمقيم يوم وليلة) [حم 23475، وقال الإمام أحمد: "هذا من أجود حديث في المسح على الخفين، لأنه في غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها"، نصب الراية 1/237، وصححه الألباني في الإرواء 1/138، وحسنه الدبيان]

5- الآثار الموقوفة على الصحابة، فإنها لا يمكن أن تقول من قبيل الرأي، لأنه لا فرق بين أن يوقت للمقيم أربعا وعشرين ساعة، وبين أن يوقت له خمسا وعشرين ساعة إلا أن يكون ذلك متلقا من الشرع، ومن الآثار الموثوقة ما ثبت عن أبي عثمان النهدي قال: "حضرت سعدا وابن عمر يختصمان إلى عمر في المسح على الخفين، فقال عمر: يمسح عليهما إلى مثل ساعته من يومه وليلته" [مصنف عبد الرزاق 1/209، وصححه الألباني في تحقيقه رسالة المسح على الجوربين، وصححه الدبيان] وثبت مثله عن ابن مسعود وابن عباس وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهم- 

القول الثالث: وهو قول لبعض أصحاب الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أن المسح موقت إلا لضرورة، فإن التوقيت يرفع كما لو كان الإنسان يتضرر بنزع خفيه كأن يكون الجو باردا والثلوج تنزل، واستدل أصحاب هذا القول على اعتبار التوقيت بأحاديث الفريق الثاني، واستدلوا على رفع التوقيت عند الضرورة بحديث عقبة بن عامر سابق الذكر، ولأنه في حال الضرورة إما أن نقول إنه إن لم يتمكن من غسل القدم فإنه يتيمم أو يسمح على خفيه، والمسح هنا أولى، لأنه طهارة بالماء في نفس العضو، بخلاف التيمم فإنه يكون بالتراب على عضوين آخرين، فكان المسح على الخفين بدلا أقرب من التيمم، وهذا القول هو الأقرب. [مجموع الفتاوى 21/177] 

ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لما ذهبت على البريد وجدَّ بنا السير، وقد انقضت مدة المسح فلم يمكن النزع والوضوء إلا بانقطاع عن الرفقة، أو حبسهم على وجه يتضررون بالوقوف، فغلب على ظني عدم التوقيت عند الحاجة كما قلنا في الجبيرة، ونزّلت حديث عمر وقوله لعقبة بن عامر (أصبت السنة) على هذا توفيقا بين الآثار، ثم رأيته مصرحا به في مغازي ابن عائد: أنه كان قد ذهب على البريد كما ذهبت لما فتحت دمشق ذهب بشيرا بالفتح من يوم الجمعة إلى يوم الجمعة، فقال له عمر: منذ كم لم تنزع خفيك؟ فقال: منذ يوم الجمعة قال: أصبت، فحمدت الله على الموافقة" [مجموع الفتاوى 21/215]

ورجح الشنقيطي رحمه الله قول الجمهور فقال: "الذي يظهر لي والله تعالى أعلم أنه لا يمكن الجمع في هذه الأحاديث بحمل المطلق على المقيد، لأن المطلق هنا فيه التصريح بجواز المسح أكثر من ثلاث للمسافر والمقيم، والمقيد فيه التصريح بمنع الزائد على الثلاث للمسافر واليوم والليلة للمقيم، فهما متعارضان في ذلك الزائد ... فيجب الترجيح بين الأدلة، فترجح أدلة التوقيت بأنها أحوط، كما رجحها بذلك ابن عبد البر، وبأن رواتها من الصحابة أكثر، وبأن منها ما هو ثابت في صحيح مسلم، وهو حديث علي رضي الله عنه المتقدم، وقد ترجح أدلة عدم التوقيت بأنها تضمنت زيادة، وزيادة العدل مقبولة، وبأن القائل بها مثبت أمرا، والمانع منها ناف له، والمثبت أولى من النافي، قال مقيده عفا الله عنه: والنفس إلى ترجيح التوقيت أميل، لأن الخروج من الخلاف أحوط"

لكن القول  الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية فيه جمع بين النصوص وهو أولى من الترجيح.


** متى تبدأ مدة المسح؟ وهذا عند من يرى التوقيت في المسح، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:

القول الأول: أن ابتداء مدة المسح من اللبس، وهذا القول مروي عن الحسن البصري وهو أضعف الأقوال لعدم الدليل عليه.

القول الثاني: وهو مذهب إليه الجمهور أن ابتداء مدة المسح يكون من أول حدث بعد اللبس، وعللوا ذلك بأن المسح على الخف عبادة موقته فكان ابتداء وقتها من حين جواز فعلها وهو الحدث.

القول الثالث: وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار ابن المنذر ومذهب أبي ثور والأوزاعي واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال النووي: "وهو المختار الراجح دليل" [المجموع 1/512] أن ابتداء مدة المسح من أول مسح بعد الحدث، واستدلوا بما يأتي: 

1- أن الأحاديث فيها (يمسح المقيم) (يمسح المسافر) وهي تدل على أن المعتبر هو المسح لا الحدث ولا يصدق على الإنسان أنه ماسح إلا بفعل المسح.

2- أن الفقهاء رحمهم الله القائلون بأن ابتداء مدة المسح من أول حدث، قالوا لو أن رجلا لبس الخفين وهو مقيم، ثم أحدث ثم سافر ومسح في السفر أول مرة فإنه يتم مسح مسافر، وهذا يدل على أن العبرة بالمسح وليس بالحدث.

3- عن أبي عثمان النهدي قال: "حضرت سعدا وابن عمر يختصمان إلى عمر في المسح على الخفين، فقال عمر: يمسح عليهما إلى مثل ساعته من يومه وليلته" [مصنف عبد الرزاق 1/209، وصححه الألباني في تحقيقه رسالة المسح على الجوربين، وصححه الدبيان] فإذا اعتبرنا المدة من أول لحدث لم يصدق قول عمر -رضي الله عنه- أنه مسح إلى مثل ساعته، ولا يصدق هذا إلا إذا اعتبرنا المدة من أول مسح بعد الحدث.

والقول الثالث هو الراجح