** يبطل المسح على الخفين بأحد أمور ثلاثة:
الأول: الحدث الأكبر
وهذا محل إجماع بين العلماء، لحديث صفوان بن عسال -رضي الله عنه- قال: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سَفَرَا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط ونوم وبول) [حم 17625، ت 96، ن 126، جه 478، وحسنه الألباني]
الثاني: انقضاء مدة المسح
إذا انتهت مدة المسح لم يبطل الوضوء على الصحيح كما سيأتي، لكن يبطل المسح، ودليل ذلك حديث صفوان بن عسال السابق، فلا يجوز له أن يعيد لبسه فيمسح عليه إلا بعد أن يتوضأ وضوءا كاملا يغسل فيه الرجلين.
الثالث: خلع الخفين
إذا خلع الخفين بعد طهارة غسل، وقبل أن يحدث فله أن يعيد الخفين؛ لأن خلعهما لا يؤثر، ومثل ذلك إذا مسح على الخفين مسح تجديد لا عن حدث، بمعنى أنه توضأ وغسل قدميه، ثم لبس الخفين، ومسح عليهما في وضوء تجديد، فله أن يخلع الخفين ويعيد لبسهما؛ لأن مدة المسح تبدأ من أول مسح بعد الحدث على الصحيح كما سبق.
أما إذا مسح على الخفين بعد الحدث، ثم خلعهما، فلا يمكنه أن يعيدهما على طهارة المسح، ولا أعلم في هذا خلافا بين العلماء.
ودليل ذلك حديث صفوان بن عسال السابق، والشاهد في قوله (أن لا ننزع خفافنا)، ووجه الدلالة أنه لو كان نزعهما لا يؤثر لما كان للقيد فائدة، ولأنه لو قيل بأن له أن يعيد الخفين على طهارة مسح لم يكن لتوقيت المسح فائدة؛ إذ كل من أراد استمرار المسح، مسح على خفيه قبل انتهاء الوقت، ثم خلعهما وأعاد لبسهما على طهارة المسح، ثم استأنف المدة.
وقد اختلف العلماء في مسألة هل ينتقض وضوء الماسح إذا خلع الخف أو انتهت المدة؟ على أقوال:
القول الأول: أنه تبقى طهارته ولا يلزمه شيء، وهذا مذهب ابن حزم واختاره النووي وشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الراجح، واستدلوا بما يأتي:
1- أن طهارة المسح ثبتت بمقتضى دليل شرعي وما ثبت بمقتضى دليل شرعي لا يرتفع إلا بدليل شرعي.
2- القياس على من له شعر مسح عليه في الوضوء بحيث لا يصل الماء إلى باطن رأسه ثم حلق شعره فطهارته باقية، فكذلك من مسح على خفيه ثم خلعهما.
وأجاب الحافظ ابن حجر على هذا القياس بأن فيه نظرا؛ لأن المسح على الرأس أصل والمسح على الخفين فرع، فكيف يقاس الفرع على الأصل.
ورد بأن القياس وجهه أن المسح قد تعلق بشيء ثم زال في كل من الرأس والقدم، فمسح الرأس تعلق بالشعر ثم زال بحلقه، ومسح القدم تعلق بالخف ثم زال بنزعه، وكونه أصلا أو فرعا لا يؤثر.
3- أنه إذا انتقل إلى المسح بدلا من الغسل، كان البدل له حكم المبدل منه، فيثبت للمسح ما يثبت للغسل.
القول الثاني: أنه يلزمه غسل قدميه فقط، وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وهو قول للشافعي ورواية عن أحمد وهذا عند من لا يرى وجوب الموالاة في الوضوء.
القول الثالث: أنه يلزمه غسل قدميه فقط، إلا أن يكون الفاصل طويلا فيلزمه إعادة الوضوء، وهذا قول مالك.
القول الرابع: أنه ينتقض وضوءه، وهذا هو القول الثاني للشافعية وهو المشهور عند الحنابلة، واستدلوا بأن حكم الرجل في الأصل الغسل، وإنما انتقل إلى المسح بدلا عن الغسل لتغطية القدم، فإذا خلع الخف فقد عاد الحكم إلى وجوب غسل الرجلين.
والاختلاف بين الأقوال الثلاثة الأخيرة مبني على الاختلاف في وجوب الموالاة في الوضوء، فمن أجاز التفريق جوز غسل القدمين لأن سائر أعضائه مغسولة، ومن منع التفريق أبطل وضوءه لفوات الموالاة.
[المجموع 1/557، المحلى 1/323، المنتقى شرح الموطأ 1/79، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق 1/50، التاج والإكليل 1/473، البحر الرائق 1/179، مغني المحتاج 1/211، قواعد ابن رجب: القاعدة 143، الموسوعة الكويتية 10/78]