** زوال العقل بجنون أو إغماء أو سكر ناقض للوضوء بالإجماع، سواء أكان قليلا أم كثيرا.
** اختلف العلماء في نقض الوضوء بالنوم على أقوال:
القول الأول: أن النوم حدث في ذاته، فهو ناقض للوضوء مطلقا قليله وكثيره، وعلى أي صفة كان النائم، وهو مذهب الظاهرية، واستدلوا بما يأتي:
1- حديث صفوان بن عسال أنه قال: (أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كنا سفرا ألا ننزع خفافنا إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم) [حم 17625، ت 96، ن 127، جه 471، وقال الألباني: حسن] ووجه الدلالة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عد النوم ناقضا للوضوء وقرنه بما وقع الإجماع على أنه ناقض للوضوء وهو الغائط والبول.
2- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعا: (العين وِكاء -أي رباط- السَّهِ -اسم من أسماء الدبرs- فمن نام فليتوضأ) [د 203، جه 477، وحسنه الألباني] وعن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- مرفوعا: (إن العينين وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء) [حم 17437، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف]
3- أن النوم حدث، وليس مظنة الحدث، والحدث لا يفرق بين كثيره ويسيره كالبول.
القول الثاني: وهو مذهب الجمهور أن زوال العقل بالنوم ناقض للوضوء في الجملة، ويستثنى من ذلك النوم اليسير، والنوم على هذا القول ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: نوم المضطجع، وهو ينقض الوضوء يسيره وكثيره.
الثاني: نوم القاعد، فمذهب الحنفية والمالكية والحنابلة أنه ينقض كثيره الوضوء دون يسيره، ومذهب الشافعية أنه لا ينقض الوضوء وإن كثر إذا كان القاعد متكئا مفضيا بمحل الحدث إلى الأرض.
القسم الثالث: وهو ما عدا هاتين الحالتين كنوم القائم والراكع والساجد، فعن الإمام أحمد روايتان بالنقض وعدمه، والمشهور من مذهب الحنابلة أن نوم القائم القاعد فينقض كثيره دون يسيره، ومذهب الشافعية أنه ناقض، ومذهب الحنفية أن النوم في حال من أحوال الصلاة لا ينقض وإن كثر.
والدليل على التفرقة بين النوم الكثير والقليل ما يأتي:
1- حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (بت عند خالتي ميمونة ليلة فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- من الليل فلما كان في بعض الليل قام النبي -صلى الله عليه وسلم- فتوضأ من شن معلق وضوءا خفيفا يخففه عمرو ويقلله وقام يصلي فتوضأت نحوا مما توضأ ثم جئت فقمت عن يساره فحولني فجعلني عن يمينه ثم صلى ما شاء الله، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، ثم أتاه المنادي فآذنه بالصلاة فقام معه إلى الصلاة فصلى ولم يتوضأ) [خ 138، م 763]
وفي رواية لمسلم: (فقمت إلى جنبه الأيسر فأخذ بيدي فجعلني من شقه الأيمن، فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني، فصلى إحدى عشرة ركعة ثم احتبى حتى إني لأسمع نَفَسَه راقدا فلما تبين له الفجر صلى ركعتين خفيفتين)
2- حديث أنس -رضي الله عنه- قال: (أقيمت الصلاة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يناجي الرجل فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم) [خ 642، م 376]
3- عن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون" [م 376]، وفي رواية "حتى تخفق رؤوسهم" [حم 13091، د 200، وصححه الألباني وقال الأرنؤوط: "حديث صحيح، وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد"]، وقال الحافظ في الفتح: "وفي مسند البزار بإسناد صحيح في هذا الحديث: فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقومون إلى الصلاة" [فتح الباري 1/315، وصححه الزيلعي في نصب الراية 1/46]
والذين استثنوا النوم اليسير من القائم والقاعد استدلوا بحديث أنس -رضي الله عنه- وفيه: "حتى تخفق رؤوسهم"، وهو يدل على أنهم كانوا قاعدين، وحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- لما قام مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه: (فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني)، وهو يدل على أن النوم اليسير من القائم لا ينقض الوضوء.
القول الثالث: وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أن النوم مظنة الحدث، فهو لا ينقض الوضوء إن ظن بقاء طهره، فإذا نام بحيث لو انتقض وضوؤه أحس بنفسه فإن وضوءه باق، ولا فرق بين القاعد والمضطجع، وهذا القول هو الراجح وبه تجتمع الأدلة، ويدل لذلك أيضا أن النوم لو كان حدثا لم يفرق فيه بين القليل والكثير، كما لو بال قليلا فإنه كالكثير، فلما دلت بعض الأدلة على أن قد ينام الإنسان ولا ينتقض وضوءه، دل هذا على أن النوم في نفسه ليس بحدث. [المغني 1/113، المحلى 1/212، الفروع 1/178]