** هل ينتقض الوضوء بخروج الدم أو القيء؟ اختلف العلماء على قولين:
القول الأول: أنه لا ينقض الوضوء ذلك، وهذا مذهب المالكية والشافعية واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، واستدلوا بما يأتي:
1- أنه لا دليل صحيح صريح على النقض، وهو لا يثبت بالاحتمال، والأصل عدم النقض.
2- أن الطهارة ثبتت بمقتضى دليل شرعي، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يرتفع إلا بمقتضى دليل شرعي.
3- أن المسلمين كانوا يصلون في جراحاتهم كما قال الحسن. [خ تعليقا، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين من القبل والدبر، فتح الباري 1/280]
4- قال البخاري: "ويذكر عن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في غزوة ذات الرقاع فرمي رجل بسهم فنزفه الدم فركع وسجد ومضى في صلاته"، والحديث في المسند وسنن أبي داود موصولا عن جابر بن عبد الله قال: (خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة ذات الرقاع، فأصيبت امرأة من المشركين، فلما انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قافلا وجاء زوجها وكان غائبا، فحلف أن لا ينتهي حتى يهريق دما في أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، فخرج يتبع أثر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فنزل النبي -صلى الله عليه وسلم- منزلا، فقال: من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه؟ فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، فقالا: نحن يا رسول الله، قال: فكونوا بفم الشعب، قال: وكانوا نزلوا إلى شعب من الوادي، فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب، قال الأنصاري للمهاجري: أي الليل أحب إليك أن أكفيكه أوله أو آخره، قال: اكفني أوله، فاضطجع المهاجري فنام، وقام الأنصاري يصلي، وأتى الرجل فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئة القوم -يعني حارسهم-، فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه فوضعه وثبت قائما، ثم رماه بسهم آخر فوضعه فيه، فنزعه فوضعه وثبت قائما، ثم عاد له بثالث فوضعه فيه، فنزعه فوضعه، ثم ركع وسجد ثم أَهَبَّ صاحبُه -يعني استيقظ-، فقال: اجلس فقد أوتيت، فوثب، فلما رآهما الرجل عرف أن قد نذروا به فهرب، فلما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء، قال: سبحان الله ألا أهببتني، قال كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها، فلما تابع الرمي ركعت، فأُريتك وايم الله لولا أن أضيع ثغرا أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها) [حم 14294، د 198، خ تعليقا في الموضع السابق، د 198، وصححه ابن خزيمة في صحيحه 1/24، وصححه الحاكم وابن حبان، وحسنه الألباني، وانظر الفتح 1/281]
5- صلى عمر وجرحه يثعب دما [ك 84، وصححه الحافظ في الفتح 1/281]
القول الثاني: أنه ينقض الوضوء خروج النجس الفاحش، وهو مذهب الحنابلة، وقاعدة الحنابلة أن الخارج من البدن من غير السبيلين إما طاهر أو نجس، فالطاهر لا ينقض الوضوء بحال كالدمع والريق ونحوه، والنجس ينقض إذا فحش، واختلفوا في ضابط الفحش، فالمشهور من المذهب أن الكثير لكل أحد بحسبه، لكن هذا لا ينضبط، لهذا ذهب ابن عقيل من الحنابلة إلى أن الكثير إنما ينظر فيه إلى أوساط الناس غير المتبذلين ولا الموسوسين، واستدلوا على النقض بما يأتي:
1- حديث عائشة -رضي الله عنها- مرفوعا: (من أصابه قيء أو رعاف أو قَلَسٌ -وهو ما يخرج من الجوف بقدر الفم فإذا تكرر سمي قيئا- أو مذي فليتوضأ، ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم) [جه 1221، وضعفه ابن القيم في أعلام الموقعين 1/66، وضعفه الألباني]
2- حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه-: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاء فتوضأ) [حم 28148، ت 87، د 2381]
والحديث لفظه في المسند: (قاء فأفطر، قال ثوبان أنا صببت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وضوءه)، ولفظه عند الترمذي: (قاء فأفطر فتوضأ) وفي بعض النسخ (قاء فتوضأ)
وأجيب عنه بأن الحديث من العلماء من ضعفه كابن عبد البر، وقال الإمام أحمد :" أصح شيء في هذا الباب، وفيه اختلاف كبير"، وأعله البيهقي بالاضطراب الخلافيات 2/347، وعلى فرض صحته فهو مجرد فعل لا يدل على الوجوب.
القول الثالث: أنه ينقض الوضوء خروج النجس من غير السبيلين مطلقا، إلا أنه في القيء يشترط للنقض أن يكون ملء الفم، وهو مذهب الحنفية. [الموسوعة الكويتية 17/110، مجموع الفتاوى 20/527]
والراجح هو القول الأول، وحديث وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- من القيء يدل غايته على استحباب الوضوء كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية.