** اختلف العلماء في تغسيل الميت، هل هو موجب للغسل أم لا؟ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه يجب الغسل على من غسل ميتا، وهو قول عند الحنابلة، واستدلوا بما يأتي:
1- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ) [حم 9418، ت 993، د 3161، جه 1453، صححه الترمذي والحافظ في التلخيص، وضعفه الإمام أحمد، انظر الخلاف في تصحيحه وتضعيفه في الانتهاء لمعرفة الأحاديث التي لم يفت بها الفقهاء 109-128]
وهذا الحديث رجح جمع من العلماء وقفه، كالأئمة أبي حاتم وأحمد والبخاري والذهلي وابن المنذر والبيهقي.
2- عن عائشة -رضي الله عنها-: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع من الجنابة ويوم الجمعة ومن الحجامة ومن غسل الميت) [حم 24664، د 348، وضعفه الألباني]
والحديث في إسناده مصعب بن شيبة، وهو متكلم فيه، وضعف الحديث البخاري والإمام أحمد وابن أبي حاتم وابن عبد البر والبيهقي والخطابي.
القول الثاني: أنه يسن الغسل ولا يجب، وهذا قول الجمهور، وأجابوا عن الحديث السابق من العلماء من ضعفه، ثم لو صح فالأمر بالاغتسال للمغسل، وكذلك الأمر بالوضوء للحامل هو على سبيل الاستحباب لا الوجوب، ويدل لذلك ما يأتي:
1- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إنه مؤمن طاهر وإنما يكفيكم أن تغسلوا أيديكم) [هق 1/306، كم 1/543، وضعفه البيهقي ورجح وقفه، وحسنه الحافظ في التلخيص، وقال شيخ الإسلام في شرح العمدة: "إسناده جيد" 1/341، وصححه الألباني ورجح الشيخ الدبيان وقفه]
2- عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: "كنا نغسل الميت، فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل" [هق وقال الحافظ إسناده صحيح]
3- عن عبد الله بن أبي بكر: "أن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر الصديق حين توفي ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت إني صائمة وإن هذا يوم شديد البرد فهل علي من غسل فقالوا لا" [ك 519].
القول الثالث: أنه لا يستحب الغسل من تغسيل الميت، وهذا مذهب الحنفية، واستدلوا بحديث ابن عباس السابق، وبأنه لم تثبت أحاديث الغسل من تغسيل الميت.
القول الرابع: أنه يجب الغسل من تغسيل الكافر دون المسلم، وهو قول عند الحنابلة، واستدلوا بحديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: (أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا طالب مات، فقال اذهب فواره، قال: إنه مات مشركا، فلما واريته رجعت إليه فقال لي اغتسل) [حم 761، ن 190، وصححه الألباني وضعفه الأرنؤوط] وفي رواية المسند: (لما توفي أبو طالب أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن عمك الشيخ قد مات، قال: اذهب فواره ثم لا تحدث شيئا حتى تأتيني، قال: فواريته ثم أتيته، قال: اذهب فاغتسل ثم لا تحدث شيئا حتى تأتيني، قال: فاغتسلت ثم أتيته قال فدعا لي بدعوات ما يسرني أن لي بها حمر النعم)
لكن الحديث ليس فيه أنه غسَّله، أو أنه اغتسل من غسله له، بل يحتمل أنه اغتسل من أثر الغبار، كما ورد في مصنف ابن أبي شيبة قال: "ثم رجعت إليه وعلي أثر التراب والغبار" [المصنف 3/32]
وقال الحافظ: "ومدار كلام البيهقي على أنه ضعيف، ولا يتبين وجه ضعفه وقد قال الرافعي إنه حديث ثابت مشهور قال ذلك في أماليه، تنبيه: ليس في شيء من طرق هذا الحديث التصريح بأنه غسله، إلا أن يؤخذ ذلك من قوله: فأمرني فاغتسلت، فإن الاغتسال شرع من غسل الميت ولم يشرع من دفنه، ولم يستدل به البيهقي وغيره إلا على الاغتسال من غسل الميت ... قلت وقع عند بن أبي شيبة في مصنفه بلفظ فقلت: إن عمك الشيخ الكافر قد مات فما ترى فيه؟ قال: أرى أن تغسله وتجنه، وقد ورد من وجه آخر أنه غسله رواه بن سعد عن الواقدي" [التلخيص الحبير 2/114]