** يشترط لما يتيمم به شرطان، وهما:
أولا: أن يكون مما صعد على وجه الأرض
** أجمع العلماء على أن التيمم بالتراب جائز، إلا من خلافا شاذا في ذلك كما قال ابن المنذر، وحكاه ابن عبد البر وابن رشد إجماعا أيضا.
** اختلف العلماء في التيمم بكل ما صعد على الأرض من جنسها، كالرمل والجص والسبخة، وسبب الخلاف اختلافهم في تفسير قوله تعالى {فتيمموا صعيدا طيبا}، والأقوال كما يأتي:
القول الأول: أن التيمم بذلك جائز، وهو مذهب الحنفية والمالكية، وهو الراجح، واستدلوا بما يأتي:
1- قول الله تعالى {فتيمموا صعيدا طيبا} والصعيد كل ما تصاعد على وجه الأرض، كالتراب والرمل والحجر، وهذا ما قاله أهل اللغة كالخليل وابن الأعرابي والزجاج، بل قال الزجاج: "لا أعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك"، ومنه قوله تعالى {فتصبح صعيدا جرزا} والجزر: الأرض التي لا نبات فيها ولا زرع، ومنه حديث: (إياكم والجلوس في الصعدات) فليس النهي مقصورا على الأرض التي يعلوها التراب.
2- حديث جابر بن عبد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة) [خ 335، م 521] وفي رواية: (وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا) [م 521]
3- عن أبي الجهيم بن الحارث -رضي الله عنه- قال: (أقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- من نحو بئر جمل -موضع بالمدينة- فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام) [خ 337، م 369 معلقا]
4- عن أبي أمامة -رضي الله عنه- مرفوعا: (فضلني ربي على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام -أو قال على الأمم- بأربع، أرسلت إلى الناس كافة، وجعلت الأرض كلها لي ولأمتي مسجدا وطهورا، فأينما أدركت رجلا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره، ونصرت بالرعب مسيرة شهر يقذفه في قلوب أعدائي، وأحل لنا الغنائم) [حم 21632، صححه ابن القيم، والمعلق على زاد المعاد 1/200]
5- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سافر هو وأصحابه في غزوة تبوك، وقطعوا الرمال في طريقهم، وماؤهم قليل، ولم يحملوا ترابا، فعلم أنهم كان يتيممون بالرمل. [زاد المعاد 1/200، 3/561]
القول الثاني: أنه لا يجوز التيمم إلا بالتراب الذي له غبار، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة، واستدلوا بما يأتي:
1- أن الله تعالى قال {طيبا} والأرض الطيبة هي القابلة للإنبات، بدليل قوله تعالى {والبلد الطيب يخرج نابته بإذن ربه}، وإذا كانت قابلة للإنبات ففيه إشارة إلى أنه يستخدم التراب فقط.
وأجيب بأنه ليس في اعتبار الإنبات معنى يعود إلى التيمم، بل المقصود بالطيب هنا الطاهر ضد النجس.
2- عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- مرفوعا: (فضلنا على الناس بثلاث، جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها لنا طَهُورا إذا لم نجد الماء) [م 522]
3- عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- مرفوعا: (أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء، فقلنا يا رسول الله ما هو؟ قال: نصرت بالرعب، وأعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعل التراب لي طهورا، وجعلت أمتي خير الأمم) [حم 765] وقالوا هذا يخصص عموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا).
وأجيب عنه بأن القاعدة أن ذكر بعض أفراد العام بحكم لا يخالف العام لا يقتضي التخصيص، ومثله قوله تعالى {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}، فلم يكن ذكر الصلاة الوسطى تخصيصا لقوله {حافظوا على الصلوات}
4- قوله تعالى {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} فقوله {منه} يقتضي وجود جزء من الصعيد، ولا يتحقق ذلك إلا بوجود الغبار.
وأجيب بأن قوله {منه} ليس للتبعيض، بل هو لبيان ابتداء الغاية، بدليل أنه في آية النساء لم يأت هذا القيد، وآية النساء سبقت آية المائدة بسنوات، ولأنه قد جاء في حديث عمار -رضي الله عنه- في صفة التيمم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نفخ ثم مسح وجهه وكفيه، والنفخ قد يزيل أثر التراب والغبار.
القول الثالث: أنه يجوز التيمم بكل ما على وجه الأرض حتى الحشيش النابت والثلج إذا عم الأرض، وهو قول للمالكية.
القول الرابع: أنه لا يجوز التيمم إلا بالتراب أو الرمل دون الحجارة، وهو قول أبي يوسف من الحنفية.
** ما لم يكن من جنس الأرض كالعشب أو الجبل ونحوه فإنه لا يتيمم به، وقد ذكر الحنابلة: أنه إذا كان على الثوب والفراش ونحوهما غبار إذا ضربتهما خرج فإنه يجزئ في التيمم، لكن قال الشيخ السعدي إن في نفسه شيء من هذا، لأنه ليس من الصعيد.
ثانيا: أن يكون طاهرا
** جماهير أهل العلم على أنه يشترط أن يكون التراب طاهرا، لقول الله تعالى {فتيمموا صعيدا طيبا} والطيب ضد النجس.