أولا: النية
** وهي شرط لصحة التيمم كما أن النية شرط لصحة الوضوء، وهنا مسائل في النية:
1- إذا نوي بتيممه فرض التيمم مطلقا، فالجمهور على أنه يصح ذلك كالوضوء خلافا للحنفية، ووجه عند الشافعية.
2- إذا نوى بتيممه رفع الحدث، فالجمهور على أنه لا يرتفع حدثه، لأن التيمم على قولهم مبيح وليس رافع، والصحيح أنه يرتفع حدثه وهو مذهب الحنفية ووجه عند الشافعية وقول عند الحنابلة.
3- إذا نوى التيمم للصلاة دون أن ينوي ما يتيمم عنه من حدث أكبر أو أصغر، فالجمهور على أنه يصح ذلك خلافا للحنابلة.
4- إذا نوى التيمم للصلاة وأطلق، فإنه يصلي به الفرض والنفل عند الحنفية وهو وجه عند الحنابلة، ومذهب الشافعية والحنابلة أنه لا يصلي به إلا النفل.
5- إذا تيمم لصلاة نفل، فإنه يصلي به الفريضة عند الحنفية، وذهب الجمهور إلى أنه لا يستبيح به إلا النفل.
6- إذا تيمم لصلاة فرض، فإنه يصلي به النافلة عند الجمهور، وذهب المالكية إلى أن له أن يصلي النافلة إذا كانت متصلة بالفريض تنزيلا لهما منزلة الصلاة الواحدة.
7- إذا تيمم لفريضة فله أن يصلي به أكثر من فريضة عند الحنفية والحنابلة، وذهب المالكية والشافعية إلى أنه لا يصلي به إلا فريضة واحدة.
8- إذا تيمم لنافلة فله أن يصلي به أكثر من نافلة عند الجمهور، وذهب المالكية إلى أن له أن يصلي به أكثر من نافلة إذا كانت متصلة.
9- إذا اجتمع عليه الحدث الأكبر والأصغر، فنوى بتيممه رفع الأصغر أو الأكبر ارتفع كلا الحدثين عند الجمهور، وذهب الحنابلة إلى أنه لا يرتفع إلا ما نواه فقط، وذهب المالكية إلى أنه لو نوى الأكبر ارتفع الأصغر، أما لو نوى الأصغر فلا يرتفع الأكبر.
** هل يشترط لصحة التيمم دخول وقت العبادة المؤقتة؟ فيه خلاف بين العلماء، فالجمهور على أنه يشترط دخول وقت العبادة، بناء على أن التيمم مبيح وليس رافعا، وذهب المالكية والظاهرية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن له التيمم ولو قبل وقت العبادة.
ثانيا: التسمية
** اختلف العلماء في حكم التسمية في التيمم، فذهب الجمهور إلى أنها مستحبة قياسا على الوضوء، وذهب المالكية في قول إلى أن التسمية في التيمم غير مشروعة، وقيل هي واجبة وتسقط بالنسيان وهو المشهور عند الحنابلة، والصحيح أنها غير واجبة، بل لو قيل إنها غير مشروعية لم يكن ذلك بعيدا.
ثالثا: يضرب الأرض ويمسح
** اختلف العلماء في عدد الضربات وفيما يمسح على أقوال:
القول الأول: أن التيمم ضربتان، ضربة يمسح بها وجهه، والضربة الثانية يمسح بها يديه إلى المرفقين، وكلا الضربتين مع مسح الوجه واليدين واجب، وهو مذهب الحنفية وقول في مذهب المالكية ومذهب الشافعية، واستدلوا بما يأتي:
1- عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: (مر رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سكة من السكك وقد خرج من غائط أو بول، فسلم عليه فلم يرد عليه، حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة، ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه ثم رد على الرجل السلام، وقال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر) [د 330، وضعفه الألباني]
وأجيب بأن الحديث لا يصح مرفوعا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد أنكره الإمام أحمد كما نقله عنه أبو داود، وأنكر البخاري وأبو زرعة والبيهقي وغيرهم رفعه، والصحيح أنه موقوف على ابن عمر -رضي الله عنهما- [انظر موسوعة الدبيان: التيمم ص303]
2- عن ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعا: (التيمم ضربتان، ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين) [قط 1/418، هق 1/207، كم 1/287، وضعفه الألباني]
لكن الحديث ضعيف، والصواب وقفه على ابن عمر كما قال الحافظ في بلوغ المرام ص41، وقال الدارقطني بعد روايته للحديث: "كذا رواه علي بن ظبيان مرفوعا ووقفه يحيى بن القطان وهشيم وغيرهما وهو الصواب" [قط 1/180].
وقال البيهقي: "رواه علي بن ظبيان عن عبيد الله بن عمر فرفعه وهو خطأ والصواب بهذا اللفظ عن ابن عمر موقوف" [هق 1/207]، وقال أبو زرعة: "حديث باطل" [التلخيص الحبير1/268]
3- عن أسلع التميمي قال: (كنت أخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأرحل له، فقال لي ذات ليلة: يا أسلع، قم فارحل، فقلت: يا رسول الله، أصابتني جنابة، فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأتاه جبريل -عليه السلام- بآية الصعيد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قم يا أسلع فتيمم، وأراه التيمم ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين) [طب 1/298]
والحديث قال فيه الذهبي: "تفرد به العلاء بن الفضل، وليس بحجة"، وفي إسناد آخر للحديث فيه: الربيع بن بدر، قال عنه الإمام أحمد: "لا يساوي حديثه شيئا"، وقال الشيخ الدبيان: "حديث منكر، وقصة نزول آية التيمم مشهورة في الصحيحين، حين كان الصحابة على سفر، وقد ضاع عقد لعائشة، فقاموا وليس معهم ماء، فنزلت آية التيمم، ولم تنزل الآية لهذه الحادثة"
4- عن عمار بن ياسر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إلى المرفقين) [د 328، وقال الألباني: منكر]
والحديث مخالف للروايات الأخرى عن عمار.
5- عن أبي الجهيم بن الحارث -رضي الله عنه- قال: (أقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه السلام، حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه وذراعيه ثم رد عليه السلام) [قط 1/176]
وأجيب عنه بأن الحديث بهذا الفظ شاذ، والمحفوظ بلفظ: (فمسح بوجهه ويديه) [خ 337، م 369 معلقا، انظر الفتح 1/442]
6- قياس التيمم على الوضوء.
وأجيب بأن هذا القياس غير صحيح، لأنه في مقابلة النص، ولأنه قياس مع الفارق، ووجه الفرق أن طهارة التيمم مختصة بعضوين، وطهارة الماء مختصة بأربعة أعضاء في الوضوء وبالبدن كله في الغسل، وأيضا طهارة الماء تختلف فيها الطهارتان، وطهارة التيمم لا تختلف.
القول الثاني: أن التيمم ضربتان، ضربة يمسح بها وجهه، والضربة الثانية يمسح بها يديه إلى الرسغين، والواجب الضربة الأولى ومسح الوجه واليدين إلى الكوعين، أما الضربة الثانية وإكمال مسح اليدين إلى المرفقين فهما سنتان، وهذا هو مذهب المالكية.
القول الثالث: أن التيمم ضربة واحدة، يسمح بها وجهه وكفيه، وهو مذهب الحنابلة، وهو الراجح، واستدلوا بما يأتي:
1- قوله تعالى {فأمسحوا بوجوهكم وأيديكم} واليد إذا أطلقت يراد بها الكف، ولهذا قيدها الله تعالى في الوضوء فقال {وأيديكم إلى المرافق}، ولم يقيدها في قوله {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}، وفي قوله {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} الآية.
2- حديث عمار بن ياسر حين قال لعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-: (أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك) [خ 338، م 368]
2- عن أبي الجهيم بن الحارث -رضي الله عنه- قال: (أقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- من نحو بئر جمل -موضع بالمدينة- فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام) [خ 337، م 369 معلقا]
ولهذا قال الحافظ ابن حجر: "الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار، وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه، والراجح عدم رفعه، فأما حديث أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملا، وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في الصحيحين وبذكر المرفقين في السنن، وفي رواية إلى نصف الذراع، وفي رواية إلى الآباط. فأما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما مقال، وأما رواية الآباط فقال الشافعي وغيره: إن كان ذلك وقع بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- فكل تيمم صح للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعده فهو ناسخ له، وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به.
ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار كان يفتي بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولا سيما الصحابي المجتهد" [فتح الباري 1/530]
القول الرابع: أن التيمم ثلاث ضربات، وهذا القول منسوب إلى ابن سيرين وغيره، وليس عليه دليل صحيح.
القول الخامس: أن التيمم يكون بمسح اليدين إلى الآباط وهو مذهب الزهري، واستدل بحديث عمار بن ياسر -رضي الله عنه-: (أنه كان يحدث أنهم تمسحوا وهم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالصعيد لصلاة الفجر فضربوا بأكفهم الصعيد، ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم) [حم 17858، جه 565، ن 314، ت 133، د 318، وصححه الألباني]
والحديث مضطرب في إسناده، ومنكر في متنه، ولهذا قال الحافظ ابن حجر: "ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار كان يفتي بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولا سيما الصحابي المجتهد"
وقال الحافظ ابن رجب: "وقد اختلف في إسناده على الزهري: فقيل عنه كما ذكرنا، وقيل عنه عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة عن أبيه عن عمار، كذا رواه عنه مالك وابن عيينة، وصحح قولهما أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، وقيل: عن الزهري عن عبيد الله بن عبدالله عن عمار مرسلا، وهذا حديث منكر جدا، لم يزل العلماء ينكرونه، وقد أنكره الزهري راويه، وقال: هو لا يعتبر به الناس -ذكره الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما-، وروي عن الزهري أنه امتنع أن يحدث به، وقال: لم اسمعه إلا من عبيد الله. وروي عنه أنه قال: لا أدري ماهو؟! وروي عن مكحول أنه كان يغضب إذا حدث الزهري بهذا الحديث. وعن ابن عيينة أنه امتنع أن يحدث به، وقال: ليس العمل عليه، وسأل الإمام أحمد عنه فقال: ليس بشئ. وقال أيضا: اختلفوا في إسناده وكان الزهري يهابه ... وعلى تقدير صحته، ففي الجواب عنه وجهان:
أحدهما: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعلم أصحابه التيمم على هذه الصفة، وإنما فعلوه عند نزول الآية لظنهم أن اليد المطلقة تشمل اليدين والذراعين والمنكبين والعضدين، ففعلوا ذلك احتياطا كما تمعك عمار بالأرض للجنابة...
والثاني: ما قاله الشافعي، وأنه إن كان ذلك بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهو منسوخ ؛ لان عمارا أخبر أن هذا أول تيمم كان حين نزلت أية التيمم، فكل تيمم كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعده مخالف له فهو له ناسخ.
... وقد حكى غير واحد من العلماء عن الزهري أنه كان يذهب إلى هذا الحديث الذي رواه ... قلت: قد سبق عن الزهري أنه أنكر هذا القول، وأخبر أن الناس لا يعتبرون به، فالظاهر أن رجع عنه لما علم إجماع العلماء على مخالفته. والله أعلم" [فتح الباري لابن رجب 3/25، وانظر فتح الباري 1/444، أضواء البيان 1/39-40]
القول السادس: أن التيمم ضربتان، يمسح بكل ضربة وجهة وذراعيه إلى المرفقين، وهو مذهب ابن أبي ليلى والحسن بن حي. [المجموع 2/243]
** هل يجب استيعاب المسح للوجه والكفين؟ فيه خلاف بين العلماء على قولين:
القول الأول: أنه يجب الاستيعاب، وهو مذهب الجمهور، واستدلوا بأن الروايات جاءت بالمسح وظاهرها تعميم المسح، ولأن الله تعالى قال {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} وهذا يقتضي الإلصاق والتعميم كما سبق في الوضوء.
القول الثاني: أنه لا يجب ذلك، بل مسح الأكثر يقوم مقام الكل وهو رواية عن أبي حنيفة واختيار بعض المالكية ومذهب الظاهرية، وهو الراجح، واستدلوا بما يأتي:
1- أن هذا الشرط ليس في كتاب الله ولا في سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
2- أن المسح في الشريعة جاء في أربعة مواضع أو ستة، وهي: مسح الرأس في الوضوء، ومسح الوجه واليدين في التيمم، والمسح على الخفين والعمامة، ومسح الحجر الأسود، وإن شئت أن تضيف مسح الركن اليماني والمسح على رأس اليتيم، ولم يختلف أحد في أن مسح الخفين ومسح الحجر لا يستلزم الاستيعاب، وكذلك من يقول بجواز المسح على العمامة لا يقول باستيعاب مسح الرأس.
3- أن طهارة المسح مبنية على التخفيف، فإيجاب الاستيعاب في عسر ومشقة.
4- أن المتيمم يمسح وجهه مرة واحدة بكلتا يديه، هذا لا يكفي لاستيعاب وجهه، ولو كان الاستيعاب واجبا لشرع تكرار المسح.
** هل يجب تخليل الأصابع؟ فيه خلاف بين العلماء، فالحنفية والمالكية يرون وجوب التخليل، لأنهم يرون جواز التيمم على الحجر، فيجب أن يخلل لاستيعاب العضو، وذهب الشافعية والحنابلة إلى عدم وجوب التخليل؛ لأن التيمم عندهم على التراب الذي له غبار، فيفرج أصابعه ويكفي عن التخليل، والصحيح أنه لا يجب تخليل الأصابع ولا يسن، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث عمار لم يخلل أصابعه، ولأن طهارة التيمم مبنية على التيسير والسهولة بخلاف الماء، ولهذا قال ابن القيم: "وأما ما ذكر في صفة التيمم من وضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهور اليمنى ثم إمرارها إلى المرفق، ثم إدارة بطن كفه على بطن الذراع وإقامة إبهامه اليسرى كالمؤذن إلى أن يصل إلى إبهامه اليمنى فيطبقها عليها فهذا مما يعلم قطعا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يفعله ولا علمه أحدا من أصحابه، ولا أمر به ولا استحسنه، وهذا هديه، إليه التحاكم" [زاد المعاد 1/200]
** إذا وضع يديه على الأرض بدون ضرب صح تيممه عند جمهور العلماء، لأنه لم يذكر في القرآن، أما حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنه- وفيه: (إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك) [خ 338، م 368] فهو لا يدل على الوجوب، لأن النفخ ليس بواجب.
** اختلف العلماء في حكم النفخ بعد ضرب الأرض على أقوال:
القول الأول: أنه يستحب النفخ، والغرض منه إزالة ما علق في اليدين من التراب، وهو مذهب الحنفية والمالكية.
القول الثاني: أن له النفخ وله عدمه، وهو قول للإمام أحمد.
القول الثالث: أنه يكره النفخ، وهو رواية عن الإمام أحمد.
والمرجع في ذلك حديث عمار -رضي الله عنه-، فمن العلماء من قال إن النبي -صلى الله عليه وسلم- نفخ لأجل ما علق في يديه، ومنهم من قال إنه لبيان الجواز، والأمر في هذا واسع.
رابعا: الترتيب
** اختلف العلماء في وجوب الترتيب على أقوال:
القول الأول: أن الترتيب في التيمم واجب في الطهارتين وذلك بأن يقدم وجهه ثم يديه، وهو مذهب الشافعية وقول عند الحنابلة، واستدلوا بأن الله تعالى بدأ به في القرآن، وبالقياس على الوضوء.
القول الثاني: أن الترتيب في التيمم مسنون في الطهارتين بأن يقدم وجهه ثم يديه، وهو مذهب الحنفية والمالكية وقول عند الحنابلة، واستدلوا بما يأتي:
1- أنه ليس هناك دليل على وجوب الترتيب.
2- أن الآية جاءت بتقديم الوجه، لكن اليدين معطوفة بالواو، وهي لا تستلزم الترتيب، وأيضا فإن السنة جاءت بمخالفة هذا الترتيب ففي حديث عمار بن ياسر -في رواية- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا فضرب بكفه ضربة على الأرض، ثم نفضها، ثم مسح بهما ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بهما وجهه) [خ 347] ومن المعلوم أن ثم تقتضي الترتيب، وأن الواو لا تستلزمه عند الجمهور. [الفتح 1/456، أضواء البيان 2/43]
لكن قال الحافظ ابن رجب: "اختلف على أبي معاوية في ذكر مسح الوجه وعطفه هل هو بالواو، أو بلفظ (ثم)، وقد قال الإمام أحمد في رواية رواية أبي معاوية عن الأعمش في تقديم مسح الكفين على الوجه غلط" [فتح الباري لابن رجب 3/42]
وقد ورد الحديث من طريق أبي معاوية عن الأعمش، ومن غير هذا الطريق، فرواه عن أبي معاوية ستة ولم يذكروا تقديم اليدين بـ (ثم)، ورواه عن الأعمش خمسة غير أبي معاوية ولم يذكروا التقديم بـ (ثم)، وأبو معاوية وإن كانت من أثبت أصحاب الأعمش، إلا أن الثقة قد يخطيء، خاصة أن أبا معاوية نفسه قد اختلف عليه. [موسوعة الدبيان: التيمم 352]
القول الثالث: أن الترتيب واجب في الطهارة الصغرى قياسا على الوضوء فيقدم وجهه ثم يديه، وليس واجبا في الطهارة الكبرى قياسا على الغسل، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، قال في الإنصاف: "الصحيح من المذهب أن حكم الترتيب والموالاة هنا حكمهما في الوضوء ... فأما الحدث الأكبر فلا يجبان له على الصحيح من المذهب" [الإنصاف 1/287]، وقال في كشاف القناع 1/178: "فيمسح وجهه بباطن أصابعه، ثم كفيه براحيته"، ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية: "قال أبو داود: رأيت أحمد علم رجلا التيمم فضرب بيديه على الأرض ضربة خفيفة، ثم مسح إحداهما بالأخرى مسحا خفيفا كأنه نفض منهما التراب، ثم مسح بهما وجهه مرة، ثم مسح كفيه إحداهما بالأخرى" [شرح العمدة 1/414]
القول الرابع: أن الترتيب واجب بأن يقدم اليدين ثم الوجه، وهو قول الأعمش، وظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، واستدلوا برواية البخاري السابقة في القول الثاني، قال شيخ الإسلام: "وهذا صريح في أنه لم يمسح الراحتين بعد الوجه، ولا يختلف مذهب أحمد أن ذلك لا يجب، وأما ظهور الكفين فرواية البخاري صريحة في أنه مر على ظهر الكف قبل الوجه" [مجموع الفتاوى 21/432]
والأقرب أن الترتيب مستحب، فإن آية المائدة لا تدل على وجوب الترتيب، ورواية أبي معاوية عن الأعمش قد سبق بيان كلام الإمام أحمد فيها، وقد يقال فيها إن هذا فعل من النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يدل على الوجوب، وقد يقال إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قاله: (إنما كان يكفيك) دل هذا على مراعاة ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن فعله في هذا الحديث ليس للاستحباب فقط، والحاصل أنه ليس هناك دليل واضح في اشتراط الترتيب، وقياسه على الوضوء قياس مع الفارق.
خامسا: الموالاة
** اختلف العلماء في الموالاة على أقوال:
القول الأول: أنها سنة مطلقا في التيمم من الحدثين، وهو مذهب الحنفية وأصح الأقوال عند الشافعية وقول عند الحنابلة.
القول الثاني: أنها واجبة في الحديثين، وهو مذهب المالكية.
القول الثالث: أنها واجبة في التيمم من الحدث الأصغر دون الأكبر، وهو المشهور من مذهب الحنابلة.
والأدلة هناك هي أدلة الموالاة في الوضوء، والأقرب أن الموالاة واجبة لأن التيمم عباد واحدة.