** مأكول اللحم طاهر بلا خلاف بين العلماء، لقول الله تعالى {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث}
** الجلالة: هي الدابة التي تأكل الجِلَّة، وهي البعر، واختلف العلماء في ضابط الجلالة على أقوال:
القول الأول: أنها ما كان علفها النجاسة ولم يخلط بغيره وأنتن لحمها من ذلك، وهو مذهب الحنفية.
القول الثاني: أنها ما كان أغلب علفها النجاسة، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، وقول عند الشافعية.
القول الثالث: أنها ما ظهر فيها أثر النجاسة من ريح ونتن، وهو قول عند الحنفية، وهو مذهب الشافعية، وهذا هو أقرب الأقوال، لأن النجاسة إذا لم يظهر لها أثر واستحالت إلى مادة أخرى، فإن الاستحالة مؤثرة.
** اختلف العلماء في حكم لحم الجلالة وركوبها وشرب لبنها، على أقوال:
القول الأول: أنه مكروه، وهو مذهب الحنفية والصحيح عند الشافعية وهو قول عند الحنابلة، واستدلوا بما يأتي:
1- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن لبن شاة الجلالة وعن الْمُجَثَّمَة -وهو الحيوان الذي ينصب ويرمى ليقتل بالنبل-، وعن الشرب من في السقاء) [حم 1990، وقال الحافظ: "على شرط البخاري في رجاله" الفتح 9/648، وقال الأرنؤوط: "إسناده صحيح على شرط البخاري"، وصححه الدبيان]
2- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وعن الجلالة وعن ركوبها وعن أكل لحمها) [حم 6999، ن 4447، د 3811، وحسنه الحافظ في الفتح 9/648، وحسنه الألباني]
3- عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها) [د 2558، وحسنه الألباني]
4- أن الضبع والهر يأكلان النجاسة، وهما طاهران، أما الضبع فيجوز أكله، وأما الهر فإنها تأكل الفئران النجسة، ومع ذلك فهي طاهرة في بدنها، وإن كانت محرمة الأكل.
القول الثاني: أنه جائز بلا كراهة، وهو مذهب المالكية، واستدلوا بما يأتي:
1- أن الاستحالة مؤثرة في تحول العين النجسة إلى طاهرة.
2- أن النجاسة في مقرها لا حكم لها، فالإنسان يحمل البول والغائط في جوفه ولا حكم له، فكذلك الدابة إذا أكلت النجاسة.
3- أن تنجس الدابة بما تحمل في معدتها من نجاسة إنما هو تنجس بالمجاورة، فهو كالماء إذا جاور نجاسة وتغير فهو طاهر.
4- أن المسلم قد يبتلى بشرب الخمر، والكافر يشربه ويأكل الخنزير، ولا يكون ظاهرهما نجسا.
5- أن الحمار أخبث من الجلالة، ومع ذلك لم ينه النبي -صلى الله عليه وسلم- على ركوبه، وفي أحاديث الجلالة نهى عن ركوبها، مما يدل على ضعف هذه الأحاديث عند من يقول بضعفها، أو على أنها محمولة على الكراهة فحسب. [شرح الكافي لابن عثيمين ص30]
القول الثالث: أنه محرم، وهو قول عند الشافعية، وهو المشهور عند الحنابلة ومذهب الظاهرية، واستدلوا بأدلة أصحاب القول الأول، وقالوا إن حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- يدل بدلالة الاقتران على أن الحكم التحريم، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى في الحديث عن المجثمة، وهي ميتة.
ولكن قد يشكل على هذا الاستدلال أن حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- فيه النهي عن الشرب من في السقاء، وإذا أخذنا بمذهب الجمهور بكراهته، ضعفت دلالة الاقتران.
والأظهر أن التعليلات التي ذكرها المالكية تدل على أن النهي للكراهة لا للتحريم.
** متى يحل أكل الجلالة؟ ذهب الحنفية إلى أنه لا يوقت في حبسها، بل تحبس حتى تزول الرائحة المنتنة عنها وتطيب، وذهب الشافعية إلى أنها تحبس حتى يظن زوال النجاسة عنها، وذهب الحنابلة إلى حبسها ثلاثة أيام، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أنه كان يحبس الدجاجة الجلالة ثلاثا" [مصنف ابن أبي شيبة 5/576، وصححه الحافظ في الفتح 9/564]، وذهب ابن حزم إلى تحريمها مطلقا ولو علفت الحلال بعد ذلك، والأقرب أن ذلك غير مقدر بمدة، وإنما بما يغلب على الظن أنها طابت بأكل الطاهر. [شرح المشيقح 10/511]