** اختلف العلماء في عظم الميتة وظفرها أو حافرها على قولين:
القول الأول: وهو قول الجمهور، أن العظم والظفر والحافر نجسة، لأنها داخل الميتة، وقد قال تعالى {حرمت عليكم الميتة}، والعظم أو نحوه يتألم ويتحرك وهذه هي الحياة، فما كان قابلا للحياة فهو قابل للموت، فيدخل في الآية السابقة.
القول الثاني: وهو مذهب الأحناف واختيار شيخ الإسلام أن هذه الأشياء طاهرة، وهذا القول هو الراجح، ودليل الأحناف على هذا القول أن العظم لا يدخل في مسمى الميتة، ومنعوا كون الألم دليل حياته، قالوا: وإنما تؤلمه لما جاوره من اللحم لا ذات العظم، وحملوا قوله تعالى {قال من يحيي العظام وهي رميم} على حذف مضاف، أي أصحابها.
وهذا المأخذ ضعيف، لأن العظم يألم حسا، ولا يصح حمل الآية على حذف مضاف؛ لوجهين:
أحدهما: أنه تقدير ما لا دليل عليه، فلا سبيل إليه.
الثاني: أن هذا التقدير يستلزم الإضراب عن جواب سؤال السائل الذي استشكل حياة العظام، فإن أبي بن خلف أخذ عظما باليا، ثم جاء به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ففته في يده، فقال: يا محمد! أترى الله يحيي هذا بعدما رم؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نعم، ويبعثك، ويدخلك النار).
والصحيح أن مأخذ الطهارة أن سبب تنجيس الميتة منتف في العظام، فلم يحكم بنجاستها، ولا يصح قياسها على اللحم؛ لأن احتقان الرطوبات والفضلات الخبيثة يختص به دون العظام.
ويدل لهذا القول أيضا أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت، وقد حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- على الماء الذي وقع فيه الذباب بأنه لا ينجس، وقاس عليه أهل العلم باتفاقهم كل ما لا نفس له سائلة، وقالوا إنها لا تنجس بالموت كالجراد ونحوه، فإذا ثبت هذا فأولى منه في هذا الحكم العظم؛ فإنه لا دم فيه، وكذلك الحركة فيه أضعف، وهذا القول هو الراجح، واستثنى الحنفية عظم الخنزير، وما أبين من حي فهو كميتته. [زاد المعاد 5/673]
فإن قيل لماذا قلنا بنجاسة جلد الميتة؟ فالجواب: أن الجلد تتسرب إليه النجاسة بخلاف العظم.