** اختلف العلماء في ريش الميتة وشعرها ونحوه على قولين:
القول الأول: وهو مذهب جمهور العلماء أنه طاهر، واستثنى الحنفية شعر الخنزير، واستدلوا بما يأتي:
1- قوله تعالى {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين} فذكر الله عز وجل أن من مننه على عباده أن من عليهم بالأصواف والأوبار والشعور، وما جاء في سياق الامتنان فإنه يدل على العموم.
2- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشاة لميمونة ميتة، فقال: ألا استمتعتم بإهابها، قالوا: وكيف وهي ميتة، فقال: إنما حرم لحمها) [حم 3442، وقال الأرنؤوط: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"]، وهذا ظاهر في إباحة ما سوى اللحم، والشحم والكبد والطحال والإلية داخلة في اللحم، كما دخلت في تحريم لحم الخنزير، ولا ينتقض هذا بالعظم والقرن، والظفر والحافر، فإن الصحيح طهارة ذلك كما سبق.
3- أننا بالإجماع نقول إن الحيوان إذا جز شعره وهو حي فإن هذا الشعر طاهر، فدل ذلك على المفارقة بين اللحم والشعر، فإن اللحم إذا فارق الحي فإنه نجس وهو ميتة، أما الشعر فإنه طاهر وهو حلال، فيكون طاهرا في حال الحياة وفي حال الموت.
القول الثاني: وهو مذهب الشافعية أنه نجس، واستدلوا بما يأتي:
1- أن اسم الميتة يتناولها كما يتناول سائر أجزائها بدليل حديث ابن عمر مرفوعا: (ادفنوا الأظفار، والدم والشعر، فإنها ميتة).
وأجيب بأن في إسناده عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد، قال أبو حاتم الرازي: أحاديثه منكرة ليس محله عندي الصدق، وقال علي بن الحسين بن الجنيد: لا يساوي فلسا يحدث بأحاديث كذب.
2- أن الشعر متصل بالحيوان ينمو بنمائه، فينجس بالموت كسائر أعضائه.
ورد بأن النماء لا يدل على الحياة التي يتنجس الحيوان بمفارقتها، فالحياة نوعان: حياة حس وحركة، وحياة نمو واغتذاء، فالأولى: هي التي يؤثر فقدها في طهارة الحي دون الثانية، واللحم إنما ينجس لاحتقان الرطوبات والفضلات الخبيثة فيه، والشعور والأصواف بريئة من ذلك.
3- حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (تُصُدِّق على مولاة لميمونة بشاة فماتت، فمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به، فقالوا: إنها ميتة، فقال: إنما حرم أكلها) [خ 1429، م 363]، ولو كان الشعر طاهرا لكان إرشادهم إلى أخذه أولى؛ لأنه أقل كلفة، وأسهل تناولا.
وأجيب بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أطلق الانتفاع بالإهاب، ولم يأمرهم بإزالة ما عليه من الشعر، فدل على جوزا الانتفاع به مع وجود الشعر، وأيضا فالشعر ليس من الميتة ليتعرض له في الحديث؛ لأنه لا يحله الموت.
والقول الأول هو الراجح، لا سيما مع رجحان أن عظم الميتة طاهر فأولى منه الشعر. [زاد المعاد 5/668]