** اختلف العلماء في التطهير من نجاسة الكلب على أقوال:
القول الأول: وهو مذهب الشافعية والحنابلة أنه يجب غسله سبع مرات إحداهن بالتراب، واستدلوا بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (طَهورُ إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب) [م 279]، وحديث عبد الله بن المغفل -رضي الله عنه- مرفوعا: (إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب) [م 280] وسيأتي في القول الثاني وجه الجمع بين الحديثين.
القول الثاني: وهو مذهب المالكية الذي استقر عليه مذهبه أنه يغسله سبعا تعبدا ندبا لا وجوبا، ولا يشترط فيه التراب، وقد سبق بيان وجه قول المالكية إن الأمر هنا تعبدي، واستدلوا على عدم اشتراط التراب بما يأتي:
1- أن أكثر الرواة الذي رووا الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- لم يذكروا التراب، وانفرد بذكرها ابن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، وقد تجنب البخاري في صحيحه الرواية التي فيها ذكر التراب للاختلاف في ذكرها، فلعله لا يرى صحة هذه اللفظة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا) [خ 172]، ولهذا قال أبو داود: "وأما أبو صالح وأبو رزين والأعرج وثابت الأحنف وهمام بن منبه وأبو السدي عبد الرحمن رووه عن أبي هريرة ولم يذكروا التراب" [د 73]
وأجيب بأن ابن سيرين إمام في الحفظ وله عناية في الألفاظ، وكون مثله ينفرد بلفظة فهو دليل على كونه حفظها، وقد رواها مسلم في صحيحه.
2- الاضطراب في ذكرها، فبعض الروايات (أولاهن) [م 279]، وبعضها (أولاهن أو أخراهن بتراب) [ت 91، هق 1/241]، وبعضها (فاغسلوه سبع مرات السابعة بالتراب) [د 73]، وفي حديث ابن المغفل (وعفروه الثامنة في التراب) [م 280]
وأجيب بما قاله العراقي: "الحديث المضطرب إنما تتساقط الروايات إذا تساوت وجوه الاضطراب، أما إذا ترجح بعض الوجوه فالحكم للرواية الراجحة، فلا يقدح فيها رواية من خالفها"، فرواية أولاهن رواها ابن سيرين وأخرجها مسلم في صحيحه، أما رواية (أخراهن) فهي شاذة ويراجع فيه باقي الروايات ما كتبه الشيخ الدبيان في موسوعة الطهارة ص658.
بقي التعارض بين حديث ابن المغفل وحديث أبي هريرة في العدد، وفي أي المرات يكون التراب، فقيل إن رواية أبي هريرة مقدمة لأنه أحفظ،، ولأن جماهير العلماء لم يقولوا بظاهر حديث ابن المغفل كما قال ابن عبد البر: "وبهذا الحديث كان يفتي الحسن أن يغسل الإناء سبع مرات والثامنة بالتراب، ولا أعلم أحدا كان يفتي بذلك غيره" [التمهيد 18/266]
وقيل رواية ابن المغفل مقدمة لأنه زاد الغسلة الثامنة، والزيادة من الثقة مقبولة.
وقيل -وهو الأقرب- بالجمع بينهما، فيقال: الغسل يكون سبع مرات وأولها بالتراب مع الماء، لكنه في حديث ابن المغفل اعتبر التراب قائما مقام غسلة فسماها ثامنة، لأن التراب جنس غير جنس الماء، فجعل المرة التي فيها التراب مع الماء مرتين، وليس المقصود في حديث ابن المغفل أن يكون التراب في المرة الثامنة، وإنما مقصوده أن تضيف إلى السبع غسلات التعفير بالتراب سواء أكان في أوله أو آخره، وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- يدل على أنه في أوله. [المغني 1/46]
القول الثالث: وهو مذهب الحنفية، أنه يغسله ثلاث مرات، وقيل ثلاثا أو خمسا أو سبعا، وحملوا الأحاديث التي فيها التسبيع على الاستحباب، واستدلوا بما يأتي:
1- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (في الكلب يلغ في الإناء أنه يغسله ثلاثا أو خمسا أو سبعا) [هق 1/240]
وأجيب بأن البيهقي قال في هذا الحديث: "وهذا ضعيف بمرة عبد الوهاب بن الضحاك متروك وإسماعيل بن عياش لا يحتج به خاصة إذا روي عن أهل الحجاز"، وضعفه الدارقطني.
2- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- موقوفا عليه في الإناء يلغ فيه الكلب أو الهر قال: "يغسل ثلاث مرات" [شرح معاني الآثار 53]
وأجيب بأنه موقوف على أبي هريرة -رضي الله عنه-، والصحيح المرفوع بالغسل سبعا، بل ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- موقوفا عليه أنه قال: "يغسل سبع مرات" [الأوسط 1/305]
3- عن عبد الله بن المغفل -رضي الله عنه- مرفوعا: (إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب) [م 280]، قالوا وهذا يدل على أن السبع ليست حتم.
القول الرابع: وهو قول عند الحنابلة أنه يغسل ثمان مرات إحداهن بالتراب.
** اختلف العلماء في حكم الترتيب في الغسلات على قولين:
القول الأول: أن الترتيب واجب، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.
القول الثاني: أن الترتيب مستحب، وهو مذهب الحنفية والمالكية وهم لا يشترطون التراب أصلا كما سبق.
** هل يلحق بول الكلب وعذرته بلعابه؟ ذهب الشافعية في الأصح وهو المشهور عند الحنابلة أنه يلحق بول الكلب وعذرته بلعابه، لكونهما أخبث منه في الرائحة والاستقذار، والوجه الثاني عند الشافعية أنهما لا يلحقان باللعاب، أما الحنفية والمالكية فهم لا يرون وجوب التسبيع أصلا، والأقرب مذهب الشافعية والحنابلة، وقد سبق قول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإذا قيل: إن البول أعظم من الريق كان هذا متوجها. وأما إلحاق الشعر بالريق فلا يمكن" [الفتاوى الكبرى 1/264]
** هل يجوز استعمال الصابون وما أشبهه بدلا من التراب؟ ذهب الحنابلة إلى أنه يجزيء ذلك لأن المقصود كمال التنظيف وهو حاصل بهذه الأمور، واختاره ابن القيم [أعلام الموقعين 4/447]، وذهب الشافعية إلى أنه لا بد من التراب واستدلوا بما يأتي:
1- أن الشارع نص على التراب فالواجب اتباع النص.
وأجيب عن هذا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- عينه لأنه أيسر على المكلف فهو في متناول يد كل أحد، ورد بأن التراب أحد الطهورين فله تأثير في التطهير بخلاف الصابون ونحوه.
2- أن التراب أحد الطهورين فله مزية شرعية.
3- أن الأشنان والسدر كانت موجودة على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يشر إليها.
4- لعل في التراب خاصية تزيل أثر الأمراض التي تكون في لعاب الكلب.