** اختلف العلماء في نجاسة الخنزير، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: وهو مذهب الجمهور أنه نجس العين، واستدلوا بما يأتي:
1- قوله تعالى {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس}، والرجس هو النجس، والحكم ليس مختصا بلحم الخنزير، وإنما ورد في الآية لأنه أعظم منفعة فيه، ونظير هذا تحريم قتل الصيد على المحرم، والمقصود ليس القتل فقط، وإنما جميع ما يشمله الصيد، وتحريم البيع بعد نداء الجمعة الثاني، والمراد كل ما يشغل عن الصلاة.
وأجيب بأنه ليس في الآية دليل على نجاسة الخنزير كله، فتحريم الأكل لا يستلزم نجاسة العين؛ والآية جاءت في سياق تحريم الأكل لا في سياق بيان النجاسة، بدليل قوله تعالى {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه}
ونظير هذا ما جاء في حديث أنس -رضي الله عنه- في الحمر: (ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عنها فإنها رجس من عمل الشيطان فأكفئت القدور بما فيها وإنها لتفور بما فيها) [خ 5528، م 1940 واللفظ لمسلم]، والمراد الرجس المعنوي أو أن لحمها نجس لا أنها نجسة العين كما سبق بيانه.
وأيضا فإن الرجس قد يراد بن النجاسة المعنوية، بل إن الرجس في كلام الشارع أكثر ما أطلق على النجاسة المعنوية، نحو قوله تعالى {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} وقوله {ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون} وقوله {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} وقوله {قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب} وقوله {وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم} وقوله {فأعرضوا عنهم إنهم رجس} وقوله {فاجتنبوا الرجس من الأوثان}.
هذه المواضع التي ورد فيها الرجس بمعنى النجاسة المعنوية في القرآن الكريم، وبقي موضعان هما محل خلاف بين العلماء، وهما قوله تعالى {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} وقوله تعالى {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس}.
2- حديث أبي ثعلبه الخشني -رضي الله عنه- قال: (قلت يا رسول الله: إنا بأرض قوم أهل كتاب -وفي رواية أبي داود: إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر- أفنأكل في آنيتهم؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: لا، إلا ألا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا) [خ 5478، م 1930، د 3839، ورواية أبي داود صححها الألباني] وفي رواية الترمذي: (فاغسلوها بالماء) [ت 1464] فأمر بغسلها لنجاسة هذه الأشياء.
وأجيب بأن الخنزير ميتته نجسه، ولكن نجاسة لحمه لا يلزم منها نجاسة عينه، فميتة الهرة نجسة وهي طاهرة في الحياة.
3- أن الخنزير أولى بالنجاسة من الكلب، فإن الخنزير يحرم اقتناؤه مطلقا، بخلاف الكلب حيث أبيح منه بعضه للحاجة.
وأجيب بأن تحريم الاقتناء لا يستلزم النجاسة.
4- بريدة بن الحصيب -رضي الله عنه- مرفوعا: (من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه) [م 2260] فشبه اللعب بهها بغمس اليد في هذه النجاسات.
5- أن كل حيوان محرم الأكل فالأصل فيه النجاسة مطلقا حال الحياة وحال الممات، ويستثنى من ذلك ما يشق التحرز منه لعلة التطواف، ولهذا لما حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- بطهارتها لم يقل إنه لا دليل على نجاستها، بل قال: (إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات)، فلم يجعل كونها حية دليلا على طهارتها، بل إن التعليل يفهم منه النجاسة لولا هذه العلة، ولو كانت هذه العلة غير مؤثرة لما كان لذكرها فائدة.
القول الثاني: وهو مذهب المالكية ورجحه الشوكاني، أنه طاهر العين، بناء على أن كل حيوان حي فهو طاهر، وأن الأصل في الأشياء الطهارة.
القول الثالث: أنه نجس العين ويستثنى من ذلك شعره، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الراجح، قال رحمه الله: "والقول الراجح هو طهارة الشعور كلها الكلب والخنزير وغيرهما بخلاف الريق، وعلى هذا فإذا كان شعر الكلب رطبا وأصاب ثوب الإنسان فلا شيء عليه ... وذلك لأن الأصل في الأعيان الطهارة، فلا يجوز تنجيس شيء ولا تحريمه إلا بدليل .... وأما إلحاق الشعر بالريق فلا يمكن، لأن الريق متحلل من باطن الكلب بخلاف الشعر فإنه نابت على ظهره" [الفتاوى الكبرى 1/264]
** ألحق بعض العلماء الخنزير بالكلب في التطهير من سؤره لأنه شر منه، وهو مذهب الشافعي في الجديد والمشهور من مذهب الحنابلة، ومذهب الحنفية والقديم من مذهب الشافعية وهو قول عند الحنابلة أنه لا يلحق به الخنزير، لأن العلة غير معروفة، أو لأن في لحم الكلب ولعابة دودة شريطية، وهذه ليست عند الخنزير، ولأن الشارع خص الحكم بالكلب ولم يذكر الخنزير، فبقي الخنزير على الأصل.