** اختلف العلماء في نجاسة سباع البهائم والطير على قولين:
القول الأول: أنها نجسة، وهو مذهب الحنفية والحنابلة، واستدلوا بما يأتي:
1- عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: "أن عمر بن الخطاب خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضا، فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع؟ فقال: عمر بن الخطاب يا صاحب الحوض لا تخبرنا، فإنا نرد على السباع وترد علينا" [ك 45] وقال النووي: "هذا الأثر إسناده صحيح إلى يحيى بن عبد الرحمن، لكنه مرسل منقطع، فإن يحيى وإن كان ثقة فلم يدرك عمر، بل ولد في خلاف عثمان، هذا هو الصواب"، ووجه الدلالة أنه لولا أن ورود السباع مؤثر لما كان للسؤال فائدة.
وأجيب بأن الأثر ضعيف، وأن قول عمر: "لا تخبرنا، فإنا نرد على السباع وترد علينا" يدل على أن هذا الورود لا يؤثر.
2- عن أبي ثعلبة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع) [خ 5530، م 1932]، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير) [م 1934]، وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر مناديا فنادى في الناس إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس) [خ 5528، م 1940] وكل ما كان محرم الأكل لا لحرمته، وأمكن التحرز منه كان نجسا، كما سبق بيانه في أدلة نجاسة الخنزير.
وأجيب بأنه إذا ذبحت سباع البهائم كانت ميتة نجسة، وكون ميتتها نجسة لا يدل على أنها نجسة في الحياة، فالهرة طاهرة في الحياة، وميتتها نجسة.
وأجيب بأن الهرة مستثناة لعلة الطوافة، كما سبق بيانه في أدلة نجاسة الخنزير.
3- أن القول الراجح نجاسة سؤر سباع الطير والحيوان، ويستثنى من ذلك الهرة وما هو مثلها كما سيأتي، وإذا كان سؤر هذه الحيوانات نجسا، فجسمها من باب أولى.
القول الثاني: أنها طاهرة، وهو مذهب المالكية والشافعية، واستدلوا بما يأتي:
1- أن الأصل في الأشياء الطهارة.
2- عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة منها؟ فقال: لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر طهور) [جه 519، وضعفه البيهقي، ومن المتأخرين ضعفه الألباني، والحديث فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقد ضعفه علي بن المديني جدا، وضعفه النسائي، وقال يحيى بن معين ليس بشيء]
3- عن حبيب بن شهاب عن أبيه: "أنه سأل أبا هريرة عن سؤر الحوض تردها السباع ويشرب منه الحمار، فقال: لا يحرّم الماء شيء" [مصنف ابن أبي شيبة 1/132]
وأجيب بأن لا دليل فيه على طهارة هذه الأشياء، بل هو عن تأثير النجاسات على الماء.