الإثنين 23 جمادي الأولى 1446
إزالة النجاسة بغير الماء
الخميس 12 مايو 2022 2:00 مساءاً
750 مشاهدة
مشاركة

** اختلف العلماء في إزالة النجاسة بغير الماء على أقوال كلها أقوال عند الحنابلة:

القول الأول: أنه لا تزال النجاسة بغير الماء، وهذا مذهب الجمهور من الشافعية وأحد القولين عند المالكية وزفر من الحنفية ورواية عن الإمام أحمد، واستدلوا بما يأتي: 

1- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في الأعرابي الذي بال في المسجد فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذنوبا من ماء) [خ 220]، وجاءت القصة من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما قضى بوله أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذنوب من ماء فأُهريق عليه) [خ 221، م 284]

2- حديث أبي ثعلبه الخشني -رضي الله عنه- قال: (قلت يا رسول الله: إنا بأرض قوم أهل كتاب -وفي رواية أبي داود: إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر- أفنأكل في آنيتهم؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: لا، إلا ألا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا) [خ 5478، م 1930، د 3839، ورواية أبي داود صححها الألباني] وفي رواية الترمذي: (فاغسلوها بالماء) [ت 1464]

3- عن أسماء -رضي الله عنها- قالت: (جاءت امرأة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع؟ قال: تحتُّه -يعني تحكه- ثم تقرصه -وهو الفرك والدلك بالأصابع- بالماء وتنضحه وتصلي فيه) [خ 227، م 291] 

4- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن خولة بنت يسار -رضي الله عنها- أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- في حج أو عمرة فقالت: (يا رسول الله ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه، قال: فإذا طهرت فاغسلي موضع الدم ثم صلي فيه، قالت: يا رسول الله إن لم يخرج أثره؟ قال: يكفيك الماء ولا يضرك أثره) [حم 8549، وحسنه الأرنؤوط، وفيه ابن لهيعة تفرد به] فدل هذا على أن ما سوى الماء لا يكفي.

وأجيب عنه بأن الحديث لم يخرج مخرج بيان ما يجزيء في التطهير، وإنما هو لبيان أن بقاء اللون لا يضر، وأن مجرد استخدام الماء يكفي في إزالة النجاسة، وهذا لا يدل على أن ما سواه لا يجزيء.

5- أن في الماء من السيلان واللطافة ما لا يوجد في غيره، وقياس غيره عليه قياس مع الفارق.

6- كما أنه لا يرفع الحدث الأصغر والأكبر بغير الماء من المائعات، فكذلك لا تزال النجاسة بغير الماء.

القول الثاني: أنه تزال النجاسة بغير الماء، فتزول بما يصيبها من الشمس والريح والاستحالة، وهذا مذهب الحنفية وأحد القولين عند المالكية، ورواية عن الإمام أحمد، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، واستدلوا بما يأتي: 

1- عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: (كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك) [خ 174] وهذا محمول على جفافها بالشمس والهواء.

2- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طَهور) [د 385، وصححه الألباني] 

3- أن امرأة سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر، فقالت أم سلمة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يطهره ما بعده) [ت 143، د 383، وصححه الألباني] 

4- عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت: قلت يا رسول الله: (إن لنا طريقا إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا مطرنا؟ قال: أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ قالت: قلت بلى، قال: فهذه بهذه) [حم 26906، د 384، وصححه الألباني] والحديث أعله الخطابي بجهالة المرأة، وجهالتها لا تضر لأنها صحابية.

5- أن النجاسة عين، فإذا زالت زال حكمها.

6- أن الشريعة جاءت بالاستجمار بالحجارة، وهي إزالة للنجاسة بغير الماء.

7- أن الخمر المنقلبة بنفسها خلا تطهر بالإجماع كما سبق.

8- أن إزالة النجاسة من باب التروك التي يقصد تركها وإزالتها، ولهذا لم يشترطوا فيها نية ولا فعلا من آدمي، فلو غسلها من غير نية، أو غسلها غير عاقل، أو جاءها الماء فانصب عليها طهرت، بخلاف طهارة الحدث التي هي عبادة.

القول الثالث: أنه تزال النجاسة بغير الماء للحاجة، وهو رواية عن الإمام أحمد.

والقول الثاني هو الراجح، أما ما استدل به أصحاب القول الأول فغاية ما فيه أن الماء يجزيء في تطهير النجاسة، وليس فيه أنه لا يجزيء غيره.

ولا ينبغي التعبير بأن النجاسة طهرت بالاستحالة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال: "ولا ينبغي أن يعبر عن ذلك بأن النجاسة طهرت بالاستحالة، فإن نفس النجس لم يطهر لكن استحال، وهذا الطاهر ليس هو ذلك النجس، وإن كان مستحيلا منه والمادة واحدة، كما أن الماء ليس هو الزرع، والهواء والحب وتراب المقبرة ليس هو الميت، والإنسان ليس هو المني" [مجموع الفتاوى 21/609]