الجمعة 20 جمادي الأولى 1446
حيض الحامل
الأحد 29 مايو 2022 2:00 مساءاً
715 مشاهدة
مشاركة

** اختلف العلماء في حيض الحامل على أقوال: 

القول الأول: أن الحامل لا تحيض، وهو مذهب الحنفية وقديم الشافعي ومذهب الحنابلة، واستدلوا بما يأتي: 

1- وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعا: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في سبايا أوطاس لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة) [د 2157، وصححه الألباني]، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن توطأ حامل حتى تضع، أو حائل حتى تحيض) [قط 3/ 188، وقال الدبيان صحيح بمجموع طرقه- كتاب الحيض ص108] ووجه الدلالة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل وجود الحيض علامة على براءة الرحم، ولو كانت الحامل تحيض لتعارض ذلك مع جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- غاية النهي وضعها للحمل.

وأجيب بأن الحديث ليس فيه ما ينفي وقوع الحيض في الحمل، لأنه ورد في سبي أوطاس فأخبرهم بالواجب عليهم، وليس فيه أن الحامل لا تحيض، قال ابن القيم: "قولكم: إنه جعله دليلا على براءة الرحم من الحمل في العدة والاستبراء. قلنا: جعل دليلا ظاهرا أو قطعيا؟ الأول: صحيح. والثاني: باطل، فإنه لو كان دليلا قطعيا لما تخلف عنه مدلوله، ولكانت أول مدة الحمل من حين انقطاع الحيض، وهذا لم يقله أحد، بل أول المدة من حين الوطء، ولو حاضت بعده عدة حيض، فلو وطئها، ثم جاءت بولد لأكثر من ستة أشهر من حين الوطء، ولأقل منها من حين انقطاع الحيض، لحقه النسب اتفاقا، فعلم أنه أمارة ظاهرة، قد يتخلف عنها مدلولها تخلف المطر عن الغيم الرطب، وبهذا يخرج الجواب عما استدللتم به من السنة، فإنا بها قائلون، وإلى حكمها صائرون، وهي الحكم بين المتنازعين. 

والنبي -صلى الله عليه وسلم- قسم النساء إلى قسمين: حامل فعدتها وضع حملها، وحائل فعدتها بالحيض، ونحن قائلون بموجب هذا غير منازعين فيه، ولكن أين فيه ما يدل على أن ما تراه الحامل من الدم على عادتها تصوم معه وتصلي؟ هذا أمر آخر لا تعرض للحديث به، وهذا يقول القائلون: بأن دمها دم حيض، هذه العبارة بعينها، ولا يعد هذا تناقضا ولا خللا في العبارة." [زاد المعاد 5/652]

2- حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: (أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا) [م 1472 وهو في البخاري بلفظ آخر] ووجه الدلالة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أباح طلاق الحامل، ولو كانت تحيض فطلقها وهي حائض في حملها لأجزنا طلاق الحائض.

وأجاب ابن القيم بقوله: "قوله في شأن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: (مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا قبل أن يمسها)، إنما فيه إباحة الطلاق إذا كانت حائلا بشرطين: الطهر وعدم المسيس، فأين في هذا التعرض لحكم الدم الذي تراه على حملها؟ وقولكم إن الحامل لو كانت تحيض لكان طلاقها في زمن الدم بدعة، وقد اتفق الناس على أن طلاق الحامل ليس ببدعة وإن رأت الدم؟. 

قلنا: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قسم أحوال المرأة التي يريد طلاقها إلى حال حمل، وحال خلو عنه، وجوز طلاق الحامل مطلقا من غير استثناء، وأما غير ذات الحمل، فإنما أباح طلاقها بالشرطين المذكورين، وليس في هذا ما يدل على أن دم الحامل دم فساد، بل على أن الحامل تخالف غيرها في الطلاق، وأن غيرها إنما تطلق طاهرا غير مصابة، ولا يشترط في الحامل شيء من هذا، بل تطلق عقيب الإصابة، وتطلق وإن رأت الدم، فكما لا يحرم طلاقها عقيب إصابتها، لا يحرم حال حيضها. 

وهذا الذي تقتضيه حكمة الشارع في وقت الطلاق إذنا ومنعا، فإن المرأة متى استبان حملها كان المطلق على بصيرة من أمره، ولم يعرض له من الندم ما يعرض لهن كلهن بعد الجماع، ولا يشعر بحملها، فليس ما منع منه نظير ما أذن فيه، لا شرعا ولا واقعا ولا اعتبارا، ولا سيما من علل المنع من الطلاق في الحيض بتطويل العدة، فهذا لا أثر له في الحامل" [زاد المعاد 5/653]

3- أن الحامل لو حاضت لأفضى ذلك إلى إمكان انقضاء عدتها قبل ولادتها.

وأجاب ابن القيم بقوله: "وأما قولكم: إنه لو كان حيضا ؛ لانقضت به العدة، فهذا لا يلزم، لأن الله -سبحانه- جعل عدة الحامل بوضع الحمل، وعدة الحائل بالأقراء، ولا يمكن انقضاء عدة الحامل بالأقراء لإفضاء ذلك إلى أن يملكها الثاني ويتزوجها وهي حامل من غيره، فيسقي ماءه زرع غيره" 

4- أن الله قطع هذا الدم عن الحامل لأجل أن يكون غذاء للولد، ولهذا لا تحيض المرضع غالبا.

وأجاب ابن القيم بقوله: "وأما قولكم: إن الله -سبحانه- أجرى العادة بانقلاب دم الطمث لبنا يتغذى به الولد، ولهذا لا تحيض المراضع. قلنا: وهذا من أكبر حجتنا عليكم ؛ فإن هذا الانقلاب والتغذية باللبن إنما يستحكم بعد الوضع، وهو زمن سلطان اللبن، وارتضاع المولود، وقد أجرى الله العادة بأن المرضع لا تحيض. ومع هذا فلو رأت دما في وقت عادتها، لحكم له بحكم الحيض بالاتفاق، فلأن يحكم له بحكم الحيض في الحال التي لم يستحكم فيها انقلابه، ولا تغذى الطفل به أولى وأحرى. قالوا: وهب أن هذا كما تقولون فهذا إنما يكون عند احتياج الطفل إلى التغذية باللبن، وهذا بعد أن ينفخ فيه الروح. فأما قبل ذلك، فإنه لا ينقلب لبنا لعدم حاجة الحمل إليه." [زاد المعاد 5/652]

القول الثاني: أن الحامل يمكن أن تحيض وهو مذهب المالكية والشافعية في الجديد ورواية عن الإمام أحمد، بل حكي أنه رجع إليه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، واستدلوا بما يأتي: 

1- قوله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى} فإذا وجد الأذى بوصفه وجد حكمه.

2- أنه لا نزاع أن الحامل قد ترى الدم على عادتها، ولكن النزاع في حكم هذا الدم لا في وجوده، وهذا الدم كان حيضا قبل الحمل بالاتفاق، فنحن نستصحب حكمه حتى يأتي دليل على خلاف ذلك.

3- قال ابن القيم: "أن الدم الخارج من الفرج الذي رتب الشارع عليه الأحكام قسمان: حيض واستحاضة، ولم يجعل لهما ثالثا، وهذا ليس باستحاضة، فإن الاستحاضة الدم المطبق، والزائد على أكثر الحيض، أو الخارج عن العادة، وهذا ليس واحدا منها، فبطل أن يكون استحاضة، فهو حيض."

4- قال ابن القيم: "وأعلم الأمة بهذه المسألة نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأعلمهن عائشة، وقد صح عنها من رواية أهل المدينة أنها لا تصلي، وقد شهد له الإمام أحمد بأنه أصح من الرواية الأخرى عنها، ولذلك رجع إليه إسحاق، وأخبر أنه قول أحمد بن حنبل، ولا تعرف صحة الآثار بخلاف ذلك عمن ذكرتم من الصحابة، ولو صحت فهي مسألة نزاع بين الصحابة ولا دليل يفصل" 

والرواية الأخرى عن عائشة -رضي الله عنها- أن الحامل لا تحيض، فعن عائشة -رضي الله عنها- في الحامل ترى الدم قالت: "تغتسل وتصلي" [مصنف عبد الرزاق، دمي 933]

والصحيح أن الحامل لا تحيض، لأن هذا الأمر مرجعه إلى الأطباء، فإن الحيض يحدث نتيجة انهيار الجدار المبطن للرحم في حال عدم حدوث الحمل، فيسقط الغشاء المبطن بالدماء والغدد على شكل حيض، أما إذا حصل الحمل فإن هذا الغشاء ينمو ويزداد حجمه بواسطة هرمون الحمل، ولا يمكن في هذه الحال أن ينهار العشاء، وما تتوهمه الحامل حيضا هو في حقيقته دم خلاف طبيعة الحيض، فقد يكون ناتجا عن انغماد البويضة في الرحم بشكل يؤثر على جدار الرحم، وقد يكون سببه عدم امتلاء تجويف الرحم بالجنين وهذا يحصل في الأسابيع الأولى للحمل، وقد يكون سببه نزيف ناتج عن التهاب عنق الرحم، أو جرح في المشيمة، أو مرض سرطاني.

وعلى هذا فإن الأنثى إذا حملت انقطع عنها دم الحيض، فإذا رأت الدم فإن كان قبل الوضع بزمن يسير كاليومين والثلاثة ومعه طلق فهو نفاس، وإن كان قبل الوضع بزمن كثير أو قبل الوضع بزمن يسير لكن ليس معه طلق فليس بنفاس، بل هو دم فساد. [شرح المشيقح 1/497، الموسوعة الكويتية 18/311]


** على القول بحيض الحامل، فإنه يثبت لحيض الحامل ما يثبت لحيض غير الحامل إلا في مسألتين:

الأولى: الطلاق، فيحرم طلاق من تلزمها عدة حال الحيض في غير الحامل، ولا يحرم في الحامل، لأن الطلاق في الحيض في غير الحامل مخالف لقوله تعالى {فطلقوهن لعدتهن} أما طلاق الحامل حال الحيض فلا يخالفه، لأن من طلق الحامل فقد طلقها لعدتها لأن عدتها بالحمل سواء أكانت حائضا أم لم تكن.

الثانية: عدة الحامل لا تنقضي إلا بوضع الحمل، سواء أكانت تحيض أم لا، لقوله تعالى {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}.