رابعا: تقدم أو تأخر الحيض، فالجمهور على أن التقدم والتأخر لا يؤثر بشرط أن يتقدمه طهر صحيح، ومذهب الحنفية أنه لا يكون عادة حتى يتكرر مرتين، والحنابلة على أنه لا يكون عادة حتى يتكرر ثلاث مرات، فإن تكرر ثلاثا فتقضي ما صامته في الأيام التي لم تعتبرها حيضا، وهذا الخلاف هو نفسه الخلاف في مسألة متى تثبت العادة للمتبدأة.
والصواب أن التقدم والتأخر لا يضر كما هو مذهب الجمهور، وهو اختيار ابن قدامة وابن تيمية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكذلك المرأة المنتقلة إذا تغيرت عادتها بزيادة أو نقص أو انتقال فذلك حيض، حتى يعلم أنه استحاضة باستمرار الدم" [مجموع الفتاوى 21/609]، ويدل لذلك ما يأتي:
1- عموم قوله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى}
2- حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج، فلما جئنا سرف طمثت، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟ قلت: لوددت والله أني لم أحج العام، قال: لعلك نفست؟ قلت: نعم، قال: فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري) [خ 305، م 1211]، ووجه الدلالة ما ذكره ابن قدامة قال: "والظاهر أنه لم يأت في العادة، لأن عائشة استكرهته واشتد عليها وبكت حين رأته، وقالت: وددت أني لم أكن حججت العام. ولو كانت تعلم لها عادة تعلم مجيئه فيها وقد جاء فيها، ما أنكرته ولا صعب عليها" [المغني 1/213]
3- أنه لو كان يشترط تكرار التقدم والتأخر مرتين أو ثلاثة لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ولما وسعه تأخير بيانه إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
4- أننا لو اعتبرنا التكرار كلما تغيرت العادة بتقدم أو تأخر، وقلنا إنه لا يعتبر عادة إلا أن يتكرر، لأفضى ذلك إلى أن لا تجلس المرأة للحيض أبدا كما ذكر ابن قدامة، وبيان ذلك أن المرأة إذا رأت الدم في غير أيام عادتها وطهرت أيام عادتها قلنا لها هذا ليس بحيض حتى يتكرر ثلاثا كما هو المشهور عند الحنابلة، فإذا تكرر في الشهر الثاني قلنا لها هذا ليس بحيض حتى يتكرر المرة الثالثة، وإلى أن تأتي المرة الثالثة تكون المرأة تصلي وتصوم ولا تحيض ثلاثة أشهر، فإذا تغيرت العادة في المرة الثالثة بتقدم أو تأخر قلنا هذا ليس بحيض، واستأنفنا عد التكرار. [المغني 1/213]