يحرم جماع الحائض، ويحرم عليها تمكين زوجها من ذلك، لقوله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} والمراد بالمحيض مكان الحيض، ومكانه هو الفرج، ولحديث حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- مرفوعا: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) يعني الجماع [م 302]، وقد أجمع العلماء على ذلك كما نقله ابن المنذر وابن حزم وابن قدامة والنووي وغيرهم، واستثنى الحنابلة الرجل الذي بق شبق أن يطأ امرأته بشرط ألا تندفع شهوته إلا بالوطء في الفرج ويخاف تشقق أنثثيه، وليس عنده غير زوجته، وهذا الاستثناء داخل في إباحة المحرم للضرورة.
** إذا جامع زوجته وهي حائض، ففيه خلاف بين العلماء:
القول الأول: أن الكفارة مستحبة، وهو مذهب الحنفية وجديد مذهب الشافعي.
القول الثاني: أن عليه التوبة والاستغفار فحسب، وهو مذهب المالكية ورواية عن أحمد.
القول الثالث: أنه تجب عليه الكفارة، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، واعتبره بعض العلماء القديم من مذهب الشافعية، ولم يجعله بعض الشافعية كذلك، كما قال إمام الحرمين: "من أصحابنا من أوجب الكفارة، وهو بعيد غير معدود من المذهب بل هي مستحبة".
ومدار هذه المسألة على حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال: (يتصدق بدينار أو بنصف دينار) [حم 3418، ت 137، ن 370، د 2168، جه 632، وصححه الألباني]
واختلف العلماء في معنى قوله (أو) على ثلاثة أقوال، فقيل هي شك من الرواي، وقيل هي للتنويع، وقيل هي للتخيير، والأقرب أنها للتنويع، فإنه لا يمكن أن تكون للتخيير، لأنه لم يرد في الشريعة كفارة يخير فيها المكلف في جنس واحد بين أمرين، واختلف العلماء القائلون بالتنويع، فقيل إن كان الدم أسود فدينار، وإن كان أصفر فنصف دينار، وقيل إن كان في زمن إقبال الدم وقوته فدينار وإلا فنصفه، وقيل إن جامعها في الحيض فدينار، وإن جامعها بعد انقطاع الدم وقبل الغسل فنصف دينار.
والحديث فيه اختلاف في سنده، واختلاف في التخيير بين الدينار ونصفه، أو الاقتصار على الدينار فقط أو على نصفه، ومن هنا قال النووي: "واتفق المحدثون على ضعف حديث ابن عباس هذا واضطرابه، وروي موقوفا وروي مرسلا وألوانا كثيرة ... وقد قال الشافعي في أحكام القرآن: هذا حديث لا يثبت مثله، وقد جمع البيهقي طرقه وبين ضعفها بيانا شافيا، وهو إمام حافظ متفق على إتقانه وتحقيقه" [المجموع 2/391]
وقد اختلف العلماء في رفعه ووقفه، فصححه مرفوعا الإمام أحمد والحاكم وابن القطان وابن دقيق العيد والحافظ ابن حجر، وضعفه مرفوعا الشافعي والبيهقي وابن عبد البر والنووي. [موسوعة الدبيان- الحيض ص877-908]
وأقرب الأقوال هو القول الثاني، فإنه لا يمكن إلزام الناس بما ليس فيه غلبة ظن أو يقين في ثبوته ومعناه، فيكون التصدق بالدينار أو نصفه على سبيل التخيير لأنه ليس كفارة.
** تباح مباشرة المرأة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالإجماع، كما حكاه النووي وابن قدامة، ويدل لذلك حديث عائشة -رضي الله عنها-: (كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد كلانا جنب، وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض، وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض) [خ 301]، ولحديث حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- مرفوعا: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) يعني الجماع [م 302]، أما حديث عائشة -رضي الله عنها-: (كنت إذا حضت نزلت عن المِثال -الفراش- على الحصير، فلم نقرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم ندن منه حتى نطهر) [د 371] فهو حديث ضعيف
** اختلف العلماء في مباشرة المرأة فيما بين السرة والركبة:
القول الأول: أن مباشرة المرأة فيما بين السرة والركبة في الحيض محرمة، وهذا مذهب الجمهور، واستدلوا بما يأتي:
1- قوله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض}، فأمر الله تعالى باعتزال النساء حال الحيض، ويستثنى منه ما دلت الأدلة على جوازه وهو ما فوق السرة وتحت الركبة.
وأجيب عنه بأن لفظ "المحيض" يحتمل أن يكون مصدرا من حاضت المرأة حيضا ومحيضا، فيصح الاستدلال بذلك، ويحتمل أن يكون اسما لمكان الحيض كالمقيل والمبيت، وعلى هذا المعنى يكون المحرم موضع الدم وهو الفرج، والاحتمال الثاني أقرب، بدليل سبب نزول الآية فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} إلى آخر الآية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اصنعوا كل شيء إلا النكاح) [م 302]
2- عن عائشة -رضي الله عنها-: (كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد كلانا جنب، وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض، وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض) [خ 301] وعنها -رضي الله عنها- قالت: (كان إحدانا إذا كانت حائضا أمرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتأتزر بإزار ثم يباشرها) [م 293]
وأجيب عنه بأنه حكاية فعل، وليس فيه نهي، كما أنه يحتمل أن يكون في فور الحيضة واشتدادها، كما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها) [خ 302، م 293]، وهذا يدل -كما قال الحافظ ابن رجب- على أن الأمر بشد الإزار لم يكن لتحريم الاستمتاع بما تحت الإزار، بل خشية من إصابة الدم والتلوث به، ومبالغة في التحرز من إصابته. [شرح البخاري لابن رجب 2/31]
3- عن حرام بن حكيم عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري -رضي الله عنه-: (أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: لك ما فوق الإزار) [د 212 وصححه الألباني]، وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: (سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال: ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل) [د 213، وضعفه أبو داود وابن القيم، وضعفه الألباني]، وعن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم: (في الرجل يباشر امرأته وهي حائض، قال: له ما فوق الإزار) [حم 23915]
وأجيب بأن روايات الحديث لا تخلو من مقال، كما أنه قد تحمل على سبيل التنزه والبعد، أو على من لا يملك نفسه، بدليل قوله النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) وهو منطوق مقدم على المفهوم من قوله: (لك ما فوق الإزار)
القول الثاني: أنها جائزة، ولا يحرم إلا الإيلاج في الفرج، وهو مذهب الحنابلة واختاره محمد بن الحسن من الحنفية وبعض المالكية وقواه النووي وهو اختيار ابن حزم، وهو مذهب جماعة من السلف كالنخعي والحسن وعطاء ومجاهد والشعبي والثوري والأوزاعي وأبي ثور، واستدلوا بما يأتي:
1- قوله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} وقد سبق في الدليل الأول لأصحاب القول الأول بيان أن المحيض اسم للمكان فيدل على تحريم الجماع خاصة.
2-عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} إلى آخر الآية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اصنعوا كل شيء إلا النكاح) [م 302]
3- عن عكرمة مولى ابن عباس -وهو من التابعين- عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا) [د 272، وصححه الألباني] والحديث اختلف في رفعه ووقفه [انظر موسوعة الدبيان- الحيض ص866]
4- عن مسروق أنه ركب إلى عائشة -رضي الله عنه- فسألها: "ما للرجل من امرأته وهي حائض؟ قالت: كل شيء إلا فرجها" [رواه ابن جرير بسند صحيح، موسوعة الدبيان- الحيض ص868]
والراجح هو القول الثاني، وأقرب منه ما اختاره النووي أن المباشرة فوق الإزار مستحبة، وما دونه جائزة جمعا بين الأدلة.
** إذا انقطع دم المرأة لم يحل لزوجها أن يجامعها حتى تغتسل، لقوله تعالى {ولا تقربوهن حتى يطهرن} وهذا مذهب الجمهور، وقال ابن حزم له أن يجامعها إذا انقطع دم الحيض، لأن المراد بقوله {حتى يطهرن} أي يغسلن أثر الدم، والراجح هو القول الأول، ويجاب عما قاله ابن حزم بأن المراد بالتطهر هو التطهر من الحدث، وهذا لا يكون إلا بالاغتسال، والدليل على ذلك قوله تعالى {وإن كنتم جنبا فاطهروا}، وقال تعالى {ولكن يريد ليطهركم}، ويدل لهذا القراءة الثانية في الآية {ولا تقربوهن حتى يطهرن} بتشديد الطاء والهاء، ثم في قوله {فإذا تطهرن} دليل على أن المراد الاغتسال، لأنه إن اعتبرنا قوله {حتى يطهرن} أي ينقطع الحيض، كان قوله {فإذا تطهرن} دالا على حرمة الجماع قبل الاغتسال.