** النفاس: مأخوذ من النفس، وهو الدم، ومنه قولهم: "لا نفس له سائلة": أي: لا دم له، واختلف العلماء في حده شرعا تبعا لاختلافهم في حكم الدم الخارج مع الولادة، أو قبلها متصلا بها.
فعرفه الحنفية والشافعية: بأنه الدم الخارج عقيب الولادة، وعرفه المالكية: بأنه الدم الخارج من الفرج لأجل الولادة على جهة الصحة والعادة، بعدها اتفاقا، أو معها على قول الأكثر، لا قبلها على الراجح.
وعرفه الحنابلة: بأنه دم ترخيه الرحم مع الولادة وقبلها بيومين أو ثلاث مع أمارة كوجع الطلق وبعدها إلى تمام أربعين يوما.
فإن كان الدم نازلا قبل الولادة بأكثر من ثلاثة أيام فهو عند الحنابلة دم فساد ولو كان مع الطلق، والصحيح أنه نفاس إن كان قريبا، ولهذا قال الشيخ السعدي: "صريح كلام الفقهاء أن ما رأته النفساء قبل الولادة بأكثر من ثلاثة أيام دم فساد، وليس بنفاس ولو مع وجود الأمارة، وفي هذا نظر ... وليس تحديد الثلاثة منصوصا عليه" [الفتاوى السعدية ص151، الموسوعة الكويتية 41/5].
** لا حد لأقل النفاس عند جمهور العلماء، فمتى رأت الطهر اغتسلت، وقال المزني -من الشافعية-: أقل مدة النفاس أربعة أيام، وروي عن أحمد أن أقله يوم، وعنه أن أقله ثلاثة أيام، والصحيح قول الجمهور. [الإنصاف 1/384، الموسوعة الكوتيية 1/15،41/6]
** اختلف العلماء في أكثر النفاس؟
فذهب الحنفية والحنابلة إلى أن أكثر النفاس أربعون يوما، وذهب المالكية والشافعية إلى أن أكثره ستون يوما، وزاد الشافعية أن غالبه أربعون يوما، والصحيح أنه لا حد لأقله ولا لأكثره كالحيض.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولا حد لأقل النفاس ولا لأكثره، ولو زاد على الأربعين أو الستين أو السبعين وانقطع فهو نفاس، ولكن إن اتصل فهو دم فساد، وحينئذ فالأربعون منتهى الغالب" [الفتاوى الكبرى 5/315، الموسوعة الكويتية 36/288، 41/7]
** إذا انقطع النفاس ثم عاد في مدة النفاس، ففيه خلاف بين العلماء:
القول الأول: وهو مذهب أبي حنيفة وعليه الفتوى عندهم، وهو قول لبعض الشافعية أن الطهر المتخلل بين الأربعين في النفاس لا يقطعه، ويجعل إحاطة الدمين بطرفيه كالدم المتوالي، وعلى هذا فلو رأت بعد الولادة يوما دما، وثمانية وثلاثين طهرا، ويوما دما، فالكل نفاس.
القول الثاني: وهو مذهب أبي يوسف ومحمد أنه إذا انقطع دم النفاس خمسة عشر يوما فقد تم طهرها، وما نزل بعد ذلك فهو حيض.
القول الثالث: وهو مذهب المالكية أنه إذا كان بين الدمين طهر صحيح وهو خمسة عشر يوما فالدم الثاني حيض، والأول نفاس، وإن كان الطهر بينهما لا يبلغ خمسة عشر يوما فإنها تلفق من أيام الدم ستين يوما، وتلغي الانقطاع.
القول الرابع: وهو مذهب الحنابلة أن عودة الدم بعد انقطاعه في مدة الأربعين مشكوك في كونه دم نفاس أو دم فساد؛ لأنه تعارض فيه الأمارتان، فتصوم وتصلي وتقضي صوم الفرض، ولا يأتيها زوجها في الفرج زمن هذا الدم، وإنما ألزموها بالصوم والصلاة مع وجود الدم؛ لأن سبب وجوبهما متيقن، وسقوطهما بهذا الدم مشكوك فيه، فلا يزول اليقين بالشك، وأمروها بقضاء الصوم احتياطا؛ لأن وجوب الصلاة والصوم متيقن، وسقوط الصوم بفعله في هذا الدم مشكوك فيه، فلا يزول بالشك.
القول الخامس: وهو رواية عن الإمام أحمد أنه إذا انقطع الدم عنها فإنه تصلي وتصوم، فإن عادة في مدة النفاس فهو نفاس.
ورجح شيخنا رحمه الله أن الدم إن عاودها في زمن يمكن أن يكون نفاسا فهو نفاس، وإلا فهو حيض، إلا أن يستمر معها فيكون استحاضة، وهذا قريب مما نقله في المغني عن الإمام مالك أنه قال: "إن رأت الدم بعد يومين أو ثلاثة فهو نفاس، وإن تباعد ما بينهما فهو حيض".
[المغني 1/252، الموسوعة الكويتية 41/8، شرح المشيقح 1/534]
** السقط إذا وضعته المرأة هل يثبت به حكم النفاس؟ لا خلاف بين العلماء أنه إذا ألقت المرأة نطفة في طورها الأول فليس نفاسا، ولا خلاف أيضا أنه إذا أسقطت بعد أربعة أشهر أنه نفاس، واختلفوا في العلقة والمضغة على أقوال:
القول الأول: أنه يثبت حكم النفاس إذا استبان بعض خلقه كالإصبع والشعر والظفر، وهذا مذهب الحنفية.
القول الثاني: أنه يثبت حكم النفاس بوضع ما يتبين فيه خلق الإنسان، فلو وضعت علقة أو مضغة لا تخطيط فيها لم يثبت حكم النفاس، وأقل مدة يتبين فيها خلق الإنسان واحد وثمانين يوما وغالبها تسعون يوما، وهذا مذهب الحنابلة، واستدلوا بأنه إذا سقط الحمل وهو علقة أو مضغة لم تتخلق فيحتمل أن يكون دما متجمدا أو قطعة لحم ليس أصلها إنسان، ومع الإحتمال لا تترك الصلاة والصيام لذلك، وكثير من النساء لا ينتبهن إلى أنهن قد أجهضن إذا كان الحمل لم يتخلق.
القول الثالث: أنه يثبت حكم النفاس إذا وضعت علقة، وعلامة أنه علقة أنه لو صب عليه ماء حار لا يذوب، وهذا مذهب المالكية، واستدلوا بأنه لما تحول إلى علقة فقد انقلب إلى أصل الإنسان.
القول الرابع: أنه يثبت حكم النفاس إذا وضعت علقة أو مضغة، وقال القوابل إنه مبتدأ خلق آدمي، فالدم بعده نفاس، وهذا مذهب الشافعية.
القول الخامس: أنه يثبت حكم النفاس إذا وضعت مضغة مطلقا، وهو رواية عن الإمام أحمد، واستدلوا بأن المضغة هي بداية خلق الآدمي.
القول السادس: أنه يثبت حكم النفاس إذا وضعت لأربعة أشهر، لأنه قبل ذلك لم تنفخ فيه الروح. [موسوعة الطهارة للدبيان 8/216]