** أحكام النفاس: أحكام النفاس كأحكام الحيض، قال ابن رجب: "ودم النفاس حكمه حكم دم الحيض، فيما يحرمه ويسقطه، وقد حكى الإجماع غير واحد من العلماء، منهم ابن جرير وغيره" [فتح الباري لابن رجب 2/187]، ويستثنى من ذلك ما يأتي:
1- العدة: فتعتبر بالحيض دون النفاس، لأنه إن كان الطلاق قبل وضع الحمل انقضت العدة بوضعه لا بالنفاس، وإن كان الطلاق بعد الوضع انتظرت رجوع الحيض كما سبق.
2- مدة الإيلاء: يحسب منها مدة الحيض ولا يحسب منها مدة النفاس، والإيلاء أن يحلف الرجل على ترك جماع امرأته أبدا أو مدة تزيد على أربعة أشهر، فإذا حلف وطالبته زوجته بالجماع جعل له مدة أربعة أشهر من حلفه، فإذا تمت المدة أجبر على الجماع أو الفراق بطلب الزوجة، فهذه المدة إذا مر بالمرأة نفاس لم يحسب على الزوج، وزيد على الشهور الأربعة بقدر مدته، بخلاف الحيض فإن مدته تحسب على الزوج.
3- البلوغ: يحصل بالحيض ولا يحصل بالنفاس، لأن المرأة لا يمكن أن تحمل حتى تنزل فيكون البلوغ بالإنزال السابق للحمل.
4- الطلاق: وجماهير العلماء على أن الطلاق في النفاس محرم كالطلاق في الحيض، وقال شيخنا رحمه الله إن الطلاق في النفاس ليس بحرام؛ لأن الطلاق في الحيض حرام لكونه طلاقا لغير العدة، فإذا طلق وهي حائض فإن بقية هذه الحيضة لا تحسب فلا بد أن تأتي ثلاث حيض جديدة، فلا تدخل في العدة من حين الطلاق، أما النفاس فلا دخل له في العدة، وإذا كان كذلك فإذا طلقها في النفاس أو بعده فهو على حد سواء لأنها ستشرع في العدة من حين الطلاق، لأن عدتها متيقنة، وهي الأقراء، أما قوله -صلى الله عليه وسلم-: (مره فليطلقها طاهرا أو حاملا) أي طاهرا من الحيض بدليل ما جاء في الحديث: (أنه طلق امرأته وهي حائض)، ولم أر في كلام الفقهاء من صرح أو نسب له القول بعدم تحريم الطلاق في النفاس لأحد، لكن قال العراقي: "واعلم أن النفاس كالحيض في تحريم الطلاق فيه إلا فيما ذكرناه، كذا صرح به الفقهاء القياسيون من أصحابنا وغيرهم، وقاله ابن حزم الظاهري أيضا لاعتقاده دخول النفاس في مسمى الحيض، ووقع في كلام الرافعي من أصحابنا في الحيض ما يقتضي عدم تحريم الطلاق في النفاس، وهو ذهول فقد قرر في كتاب الطلاق خلافه كما هو المعروف، وقال ابن العربي: حكي عن بعض المخابيل ممن يقول بخلق القرآن، ولا يعتبر بقوله إن النفساء لا تدخل في هذا الحكم" [طرح التثريب 7/86]، وقال بعض الحنفية: إن النفاس لا يحصل به الفصل بين طلاقي السنة والبدعية، خلاف الحيض، وظاهر هذا أن الطلاق في النفاس جائز، لكن ذلك غير مراد، فقد صرح الحنفية بأن الطلاق في النفاس بدعي، ومعنى قولهم السابق أن الطلاق في النفاس بدعي مطلقا، بخلاف الحيض، فطلاق غير المدخول بها في الحيض جائز، بخلاف من دخل بها، فالطلاق في الحيض قد يكون سنيا وقد يكون بدعيا، بخلاف النفاس. [رد المحتار 1/299، 3/233، الجوهرة النيرة 2/31]
** فرق بعض العلماء بين دم الحيض والنفاس بأن دم الحيض إذا انقطع ثم عاد في العادة فهو حيض يقينا، مثل أن كون عادتها ثمانية أيام فترى الحيض أربعة أيام ثم ينقطع يومين ثم يعود في السابع والثامن، فهذا العائد حيض يقينا يثبت له أحكام الحيض، وأما دم النفاس إذا انقطع قبل الأربعين ثم عاد في الأربعين فهو مشكوك فيه فيجب عليها أن تصلي وتصوم الفرض الموقت في وقته ويحرم عليها ما يحرم على الحائض غير الواجبات، وتقضي بعد طهرها ما فعلته في هذا الدم مما يجب على الحائض قضاؤه، وهذا هو المشهور من المذهب، والصواب أن الدم إذا عاودها في زمن يمكن أن يكون نفاسا فهو نفاس، وإلا فهو حيض إلا أن يستمر عليها فيكون استحاضة، وهذا مقتضى اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وليس في الدماء شيء مشكوك فيه بحسب الواقع، ولكن الشك بحسب العلوم والأفهام، ولم يوجب الله على أحد أن يصوم مرتين أو يطوف مرتين إلا أن يكون في الأول خلل لا يمكن تداركه إلا بالقضاء.
** فرق بعض العلماء بين دم الحيض والنفاس بأن الحيض إذا طهرت من المرأة قبل العادة جاز لزوجها أن يجامعها بدون كراهة، وأما في النفاس إذا طهرت قبل الأربعين فيكره لزوجها أن يجامعها، وهذا هو المشهور عند الحنابلة، والصواب أنه لا يكره وهو قول جمهور العلماء، لأن الكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي، وليس في المسألة سوى ما ذكره الإمام أحمد عن عثمان بن أبي العاص أن امرأته أتته قبل الأربعين، فقال: لا تقربيني [دمي 950، 951] وهذا لا يستلزم الكراهة لأمور:
1- أنه مقابل لقول ابن عباس -رضي الله عنهما- حيث قال: إذا صلت حلت، أي إذا استباحت الصلاة فكيف لا يستباح الوطء، وابن عباس أفقه من عثمان بن أبي العاص.
2- أنه قد يتنزه عن ذلك دون أن يكون مكروها عنده فلا يدل على الكراهة.
3- أنه قد يكون منه على سبيل الاحتياط خوفا من أنها لم تتيقن الطهر أو من أن يتحرك الدم بسبب الجماع، أو لغير ذلك من الأسباب.
4- أن من العلماء من ضعف الأثر، قال الألباني في الإرواء 1/226: "موقوف ضعيف أخرجه الدارقطني ... وأخرجه الدارمي وابن الجارود في المنتقى بإسناد صحيح إلى الحسن، فإن كان سمعه من عثمان فهو صحيح، وإلا فالحسن مدلس، وقد عنعنه"
** فرق بعض العلماء بين دم الحيض والنفاس، بأن دم النفاس يقطع التتابع في صوم الكفارة، بخلاف الحيض فإنه لا يقطعها، وهذا مذهب الحنفية، ووجه في مذهب الشافعية والحنابلة، والصحيح أنه لا يقطع التتابع. [موسوعة الطهارة للدبيان 8/349]