الأحد 22 جمادي الأولى 1446

فقه الصيام

مقدمة في فقه الصيام
الخميس 26 يناير 2023 2:00 مساءاً
688 مشاهدة
مشاركة

تقديم

** الصيام لغة الإمساك، ومنه قوله تعالى {فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما}، وشرعا: التعبد لله بالإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس من شخص مخصوص.

** والصيام فرض، وهو من أركان الإسلام، ودليل وجوبه الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} وقوله تعالى {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وأما من السنة فقوله -صلى الله عليه وسلم-: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان) [خ 8، م 16 من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-] وأما الإجماع فقد أجمع المسلمون على وجوب الصوم، قال ابن حزم في مراتب الإجماع: "اتفقوا على أن صيام نهار رمضان على الصحيح المقيم العاقل البالغ ... فرض".

** شرع الله الصيام لحكم عظيمة، منها ما ذكره الله تعالى في كتابه فقال {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، فالله عز وجل لم يأمرنا بالصيام لنجوع فقط، ولنكابد مشقة الألم، وإنما فيه إشارة إلى أن ذلك الإنسان الذي استطاع أن يكبح جماح نفسه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فيمنعها عن المباح من الطعام والشراب، إذا استطاع الإنسان أن يمنع نفسه عن المباح في هذه المدة، فكيف لا يستطيع أن يمنعها من المحرم، مع أن المحرم منبوذ للنفوس السوية المستقيمة، وإذا كان الإنسان يسأل عن أدنى شيء في صيامه فإذا دخل الغبار في حلقه، أو نزل ماء المضمضة عن غير قصد إلى جوفه فتجده يسأل عن حكم هذا وحكم ذاك، وهو يخاف أن يخدش صيامه شيء من الأمور المباحة، فلماذا لا يخاف أن يخدش صيامه وأن يخدش يومه، وأن يخدش حياته بما حرمه الله عليه، فيجب علينا أن نتبنه لتلك الحكم العظيمة، ومن الحكم أيضا: الاستجابة لأمر الله تعالى، ومنها الإتيان بركن من أركان الإسلام، ومنها: معرفة قدر المنعم على العبد، ومنها: الحمية من كثرة الفضلات والرطوبات، ومنها: معرفة الغني حاجة الفقير فيواسيه.

قال ابن القيم: "المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها، ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحه وتلجم بلجامه فهو لجام المتقين وجنة المحاربين ورياضة الأبرار والمقربين وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال" [زاد المعاد 2/28، 29] 

** هل يقال رمضان أم يكره ذلك؟ على ثلاثة أقوال: 

القول الأول: أن المستحب أن يقال شهر رمضان، ولا يكره قول رمضان، وهذا هو المذهب، واستدلوا على جواز قول رمضان بما يأتي: 

1- حديث أبي هريرة مرفوعا: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة) [خ 1898، م 1079] 

2- حديث ابن عباس مرفوعا: (عمرة في رمضان تعدل حجة) [م 1256]

القول الثاني: أنه يكره قول رمضان، وهذا مذهب المالكية، وهو الوجه الثاني عند الحنابلة، واستدلوا بحديث أبي هريرة مرفوعا: (لا تقولوا رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله، ولكن قولوا شهر رمضان) [أخرجه ابن عدي والبيهقي، وضعفه ابن عدي، وفيه أبو معشر: ضعيف]

القول الثالث: أنه لا يكره قول رمضان إذا كانت هناك قرينة تصرفه إلى الشهر، وهذا مذهب الشافعية، قالوا: للجمع بين الأدلة السابقة.

والقول الراجح هو القول الأول، لعدم الدليل على الكراهة.

** رمضان مشتق من الرمض، بفتح الميم والضاد، وهو شدة الحر، وإنما سمي بذلك لأنه وافق شدة الحر، وقيل: سمي بذلك لأنه ترمض فيه الذنوب، أي تحرق.