** اختلف العلماء في حكم الوصال في الصوم:
القول الأول: أنه مكروه، وهذا هو مذهب الحنابلة، واستدلوا بما يأتي:
1- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين إنك تواصل يا رسول الله، قال: وأيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقين، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال لو تأخر لزدتكم، كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا) [خ 1965، م 1103] ووجه الاستدلال أنه لو كان النهي للتحريم لما واصل بهم.
وأجيب بأن هذا كان تقريعا لهم وتنكيلا كما في الحديث، وهذا جائز لأجل مصلحة تأكيد النهي، كما أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- الأعرابي على البول في المسجد لمصلحة التأليف، ولئلا ينفر عن الإسلام، وكما أقر المسيء في صلاته على إعادة صلاته بنفس الهيئة المحرمة لمصلحة التعليم، فيؤخذ منه جواز ترك منكر لمصلحة أعظم.
2- عن عائشة رضي الله عنها قالت: (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصل؟ قال: إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقين) [خ 1964، م 1105] ووجه الدلالة أن النهي كان لمجرد الرفق بهم.
وأجيب بأن قولها (رحمة لهم) لا يمنع التحريم، بل يؤكده، فإن من رحمته بهم أن حرمه عليهم، وسائر مناهيه للأمة رحمة بهم.
3- عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه) [حم 18343، د 2374، قال الحافظ في الفتح: "إسناده صحيح"، 4/178، وصححه الألباني]
وأجيب بأن عدم التحريم من فهم الصحابي، والأصل في النهي التحريم، ويحتمل أن المراد لم يشدد في تحريمهما.
4- ما رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح: "أن ابن الزبير كان يواصل خمسة عشر يوما"
القول الثاني: أنه محرم، وهذا مذهب الجمهور، واستدلوا بما يأتي:
1- حديث أبي هريرة السابق.
2- عن بشير بن الخصاصية: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المواصلة، وقال: يفعل ذلك النصارى، ولكن صوموا كما أمركم الله عز وجل وأتموا الصيام إلى الليل فإذا كان الليل فأفطروا) [حم 21448، وصحح الحافظ إسناده في الفتح]
3- عن أنس رضي الله عنه قال: (واصل النبي صلى الله عليه وسلم آخر الشهر وواصل أناس من الناس، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو مد بي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم، إني لست مثلكم إني أظل يطعمني ربي ويسقين) [خ 7241، م 1104] وهذا تنكيل بهم.
القول الثالث: وهو قول إسحاق والمحفوظ عن أحمد كما قال ابن القيم وهو الأقرب أن الوصال محرم إلا إلى السحر فجائز، ويدل لذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تواصلوا، فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر، قالوا فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقين) [خ 1963، ينظر: زاد المعاد 2/35-38]
** معنى قوله (يطعمني ربي ويسقين) فيه خلاف بين العلماء على قولين:
القول الأول: أن المراد به طعام وشراب حسي للفم، واستدلوا بأن هذا حقيقة اللفظ فلا يعدل عنه.
القول الثاني: أن المراد به غذاء الروح والقلب، فيستغني به عن غذاء البدن، واستدلوا بأنه لو كان طعاما حسيا لما كان مواصلا، ولما صح أن يقول: (إني لست كهيئتكم) لأنه حينئذ مثلهم يأكل ويشرب. [زاد المعاد 2/32 - 34، 4/94]