الأحد 22 جمادي الأولى 1446

فقه الصيام

ما يسن للصائم
الخميس 26 يناير 2023 2:00 مساءاً
430 مشاهدة
مشاركة

ما يسن للصائم 

** اختلف العلماء في السواك للصائم بعد الزوال، فأكثر العلماء على مشروعيته واستحبابه استدلالا بعموم الأحاديث التي جاءت في فضل السواك، وبعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) [رواه الجماعة]، وذهب الشافعي ورواية عن أحمد إلى عدم مشروعيته بعد الزوال، واستدلوا بحديث (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي) [طب، قط وضعفه الحافظ في التلخيص الحبير 1/101، والعراقي في شرح الترمذي والدراقطني والألباني، وانظر فيض القدير 1/396]، وبحديث (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، والراجح هو مذهب الجمهور، للأدلة التالية: 

1- عن عامر بن ربيعة -رضي الله عنه- قال: (رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لا أحصي يستاك وهو صائم) [د 2364، وعلقه البخاري بصيغة التمريض، وضعفه الألباني، وقال الطريفي: "تفرد بهذا الحديث عاصم بن عبيد الله وهو مضعف، بل قال بعض الحفاظ: إنه منكر الحديث"] 

3- أن العلماء قد أجمعوا أن الصائم يتمضمض وجوبا أو استحبابا، والمضمضة أبلغ وأشد من السواك.

4- أنه ليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة، ولا هي من جنس ما شرع التعبد به.

5- أن رضوان الله تعالى الحاصل من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) [حم، ن، وصححه الألباني] أكبر من الأجر الحاصل من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك) [خ 1894، م 1151]

6- أنه على فرض أن السواك يزيل الخلوف، فإنه لا يمنع من كونه طيبا عند الله، بل يأتي الصائم يوم القيامة وخلوف فمه أطيب من المسك، ولو أزاله بالسواك أو بغيره، كما أن الجريح يأتي يوم القيامة ولون دم جرح لون الدم، وريحه ريح المسك، مع أنه مأمور بأن يزيل أثر ذلك في الدنيا. 

7- أننا لا نسلم بأن السواك يزيل الخلوف، لأن تلك الرائحة ناتجة عن خلو المعدة من الطعام، وليست من نفس الفم. 

8- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علم أمته ما يباح لهم وما يسن وما يكره في الصوم، ولم يذكر لهم ألا يستاكوا وهم صائمون.

9- أن تحديد وقت الكراهة بالزوال غير منضبط، فمن الناس من يحصل له رائحة الخلوف قبل الزوال بسبب عدم تسحره مثلا، وهنا لا يقال له حتى على المذهب الآخر إن السواك غير مستحب. [انظر زاد المعاد 2/61، 4/323]

** يسن إذا شتمه أحد أو قاتله أن يقول: إني صائم، لما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها) [خ 1894، م 1151]، وهل يقولها سرا أم جهرا؟ 

اختلف العلماء على ثلاثة أقوال، ثالثها: التفريق بين الفرض والنفل، فيقولها جهرا في الفرض دون النفل خوفا من الرياء، والأقرب أنه يقولها جهرا في الفرض والنفل لفائدتين: 

الأولى: بيان أن المشتوم لم يترك مقابلة الشاتم إلا لكونه صائما لا لعجزه عن المقابلة، لأنه لو تركه عجزا عن المقابلة لاستهان به الآخر.

الثانية: تذكير هذا الرجل بأن الصائم لا يشاتم أحدا، وربما يكون هذا الشاتم صائما فيكون في هذا نهي له عن السب والشتم، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. [زاد المعاد 2/52] 


** يسن للصائم السحور لحديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- مرفوعا: (تسحروا فإن في السحور بركة) [خ 1923، م 1095] والسحور ليس بواجب بدليل مواصلة النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة، ومن المعلوم أنهم إذا واصلوا لم يتسحروا.

** في الترغيب في السحور أحاديث:

1- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعم سحور المؤمن التمر) [د 2345، وصححه الألباني] 

2- عن عمرو بن العاص أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر) [م 1096]

3- عن سلمان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (البركة في ثلاثة، في الجماعة، والثريد، والسحور) [طب، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1052]

4- عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (السحور أكله بركة فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحرين) [حم 10702، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1057، وقال في الفتح الرباني: "وله طرق يشد بعضها بعضا"]


** يسن تأخير السحور -بضم السين لأنه بالضم معناه الفعل- لحديث أنس عن زيد بن ثابت -رضي الله عنهم- قال: (تسحرنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قام إلى الصلاة قلت: كم كان بين الأذان والسحور قال قدر خمسين آية) [خ 1921]، أما زيادة (وأخروا السحور) [حم 20805] في حديث (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) فقال الشيخ الطريفي: لا أصل لها، وهي منكرة، لأن الحديث أصله في الصحيحين بدون هذه الزيادة، وضعف الزيادة الألباني.


** يسن تعجيل الفطر لحديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- مرفوعا: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) [خ 1957، م 1098]، والمعتبر في الفطر هو غروب الشمس لا الأذان، لحديث عمر -رضي الله عنه- مرفوعا: (إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) [خ 1954، م 1100] 

ولا عبرة بالنور القوي بل متى غاب أعلى قرص الشمس سن الفطر، فقد ثبت عن عبد الله ابن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: (كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر وهو صائم فلما غربت الشمس قال لبعض القوم يا فلان قم فاجدح لنا -أي أعد لنا الشراب- فقال يا رسول الله لو أمسيت -وفي رواية يا رسول الله الشمس- قال: انزل فاجدح لنا، قال: يا رسول الله فلو أمسيت، قال: انزل فاجدح لنا، قال إن عليك نهارا، قال انزل فاجدح لنا فنزل فجدح لهم فشرب النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال إذا رأيتم الليل قد أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم) [خ 1955، م 1101].


** لعل الحكمة في استحباب تأخير السحور وتعجيل الفطر هو إحاطة العبادة بما يخالفها حتى يظهر امتثال المؤمن، فهو يأكل في السحور ثم يقطع مباشرة أكله عند طلوع الفجر، ويصوم ثم يقطع مباشرة صومه عند الغروب، بخلاف من تسحر أول الليل فإنه صائم من قبل الفجر، وليس من الفجر، ولهذا جاءت الشريعة بحياطة الأعمال بضدها، وهذا نظير صيام رمضان، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاطه بيومين محرمين، الأول: صيام يوم الشك، والثاني: صيام يوم العيد، وذلك حتى يظهر امتثال المؤمن، فالله يريد أن يأكل المؤمن قبل رمضان بيوم وبعدها بيوم ليظهر امتثاله، ولا يتصل رمضان بغيره.


** اختلف العلماء متى يسن له الفطر على قولين:

القول الأول: وهو مذهب الجمهور، أنه يسن الفطر قبل الصلاة، واستدلوا بما رواه أبو عطية قال:
دخلت أنا ومسروق على عائشة فقلنا يا أم المؤمنين: رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة، قالت أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة، قال قلنا: عبد الله يعني ابن مسعود، قالت: كذلك كان يصنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) [م 109]

القول الثاني: وهو مذهب بعض المالكية أنه يسن الفطر بعد الصلاة، واستدلوا بما ورد أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان: "كانا يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود قبل أن يفطرا، ثم يفطران بعد الصلاة" [ك 640]

والراجح هو القول الأول، أما فعل عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان -رضي الله عنهما- فهو حادثة عين لا عموم لها. [زاد المعاد 2/51]


** يسن أن يفطر على تمر فإن لم يجد فعلى ماء، لحديث أنس -رضي الله عنه- قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء) [د 2356، ت 696، وحسنه في الإرواء 4/45، وقال الطريفي: "هذا الحديث معلول بعدة علل: 

أولها: تفرد عبد الرزاق في روايته له عن جعفر بن محمد، ولا يعرف هذا الحديث إلا من طريقه، ولهذا استنكره أبو حاتم، وأبو زرعة.

الثانية: أن هذا الحديث من مفاريد جعفر عن ثابت، وجعفر له مفاريد عن ثابت كما ذكر ذلك علي بن المديني.

الثالثة: أن الأحاديث التي جاءت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يثبت فيها ذكر الرطب.

والصواب في لفظه (أنه كان يفطر على تمرات، فإن لم يجد فعلى ماء)، أما ذكر الرطبات فليس بمحفوظ"، بتصرف من العلل الواردة في أحاديث الصيام]


** وردت أحاديث في دعوة الصائم منها:

1- عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر) [هق 3/345، وصححه الألباني في الصحيحة 1797]

2- عن أبي أمامة مرفوعا: (لله عند كل فطر عتقاء) [حم 21698، وصححه الألباني في صحيح الترغيب 1/491، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: "صحيح لغيره"] 

3- عن أبي سعيد الخدري مرفوعا: (إن الله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلية - يعني في رمضان - وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة) [البزار، وصححه الألباني في صحيح الترغيب 1/491] 

** يسن إذا أفطر أن يقول ما ورد، والذي ورد هو التسمية، وهي واجبة على الصحيح لأمره -صلى الله عليه وسلم-.

وورد "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم" وهو ضعيف كما قال ابن القيم [زاد المعاد 2/51]، وضعفه الطريفي.

وورد أيضا "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله" [د 2357، هق 4/239، حسنه في الإرواء 4/39]

وقال الشيخ الطريفي: "لا يثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء في الدعاء عند الفطر"، وقال في شرح منار السبيل: "أصل الدعاء عند الفطر عليه عمل السلف، وقد جاء عن بعضهم في ذلك، فجاء عن الربيع بن خثيم كما رواه ابن فضيل في كتابه الدعوات، أنه كان يدعو عند فطره"