الأحد 22 جمادي الأولى 1446

فقه الصيام

ليلة القدر وعلاماتها
الخميس 26 يناير 2023 2:00 مساءاً
340 مشاهدة
مشاركة

ليلة القدر

** ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ويدل لذلك ما يأتي:

1- عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) [خ 2020، م 1169]

2- عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) [خ 2017]

3- عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (التمسوها في العشر الأواخر يعني ليلة القدر فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي) [م 1165]

4- عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: إني خرجت لأخبركم بليلة القدر وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيرا لكم، التمسوها في السبع والتسع والخمس) [خ 49]


** اختلف العلماء في بداية العشر الأواخر من رمضان على قولين: 

القول الأول: وهو مذهب أكثر العلماء أنها تبدأ بليلة الحادي والعشرين، فإن كان رمضان ثلاثون ليلة فهي عشر، وإلا فهي تسع، وأطلق عليها عشرا من باب التغليب، ويدل لذلك حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: (اعتكف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر الأول من رمضان واعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك، فاعتكف العشر الأوسط فاعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- خطيبا صبيحة عشرين من رمضان فقال: من كان اعتكف مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فليرجع، فإني أريت ليلة القدر وإني نسيتها، وإنها في العشر الأواخر في وتر، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء، وكان سقف المسجد جريد النخل وما نرى في السماء شيئا، فجاءت قزعة فأمطرنا، فصلى بنا النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرنبته تصديق رؤياه) [خ 813، م 1167]، وهذا يدل على أن العشر الأوسط يدخل فيها ليلة العشرين. [المغني 3/81، 3/208، المجموع 6/501] 

القول الثاني: وهو مذهب ابن حزم، أنها تبدأ من ليلة عشرين إذا كان الشهر تسعا وعشرين يوما، ومن ليلة الحادي والعشرين إذا كان الشهر ثلاثين يوما، فإذا كان الشهر تسعا وعشرين فأول العشر الأواخر ليلة عشرين، وليلة القدر إما ليلة عشرين أو اثنين أو أربع أو ست أو ثمان وعشرين، لأن هذه هي الأوتار من العشر الأواخر، وإذا كان الشهر ثلاثين فأول العشر الأواخر ليلة إحدى وعشرين، وليلة القدر إما ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع وعشرين.

وقد استدل ابن حزم بحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: (اعتكف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له، فلما انقضين أمر بالبناء فقوض ثم أبينت له أنها في العشر الأواخر فأمر بالبناء فأعيد، ثم خرج على الناس فقال: يا أيها الناس إنها كانت أبينت لي ليلة القدر وإني خرجت لأخبركم بها فجاء رجلان يحتقان معهما الشيطان فنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة، قلت -القائل أبو نضرة- يا أبا سعيد إنكم أعلم بالعدد منا، قال: أجل نحن أحق بذلك منكم، قال قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة، قال: إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها ثنتين وعشرين وهي التاسعة، فإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة، فإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة) [م 1996]، وقال إن حديث أبي سعيد الخدري بناء على أن الشهر تسع وعشرون يوما.

لكن حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- يدل على خلاف قوله، فإنه من المتفق عليه أنها عشر ليال، وأن أولها وتر، وكل عشر ليال فيها خمس ليال وتر، وخمس شفع، فإذا كانت التاسعة هي ليلة الثاني والعشرين كما فسرها أبو سعيد، والسابعة ليلة الرابع والعشرين، والخامسة ليلة السادس والعشرين، فإن الثالثة ليلة الثامن والعشرين، والأولى هي ليلة الثلاثين، فهذه خمسٌ وتر، فحديث أبي سعيد بناء على أن الشهر ثلاثين يوما، وليس تسعا وعشرين، وسيأتي كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك.

وإذا كان الشهر ناقصا، فإن التاسعة في حديث أبي سعيد هي ليلة الحادي والعشرين، والسابعة ليلة الثالث والعشرين، والخامسة ليلة الخامس والعشرين، والثالثة ليلة السابع والعشرين، والأولى ليلة التاسع والعشرين. 

ولو كان حديث أبي سعيد بناء على أن الشهر تسع وعشرون يوما، لكانت التاسعة هي ليلة العشرين، والسابعة ليلة الثاني والعشرين، وهكذا حتى تكون الأولى ليلة الثامن والعشرين، وتكون خمسة أوتار.

لكن حديث أبي سعيد يدل على أن ليلة القدر قد تأتي في ليالي الشفع، وعلى هذا إذا كان الشهر ناقصا، فإنه يحتمل أن تأتي ليلة الثاني والرابع والسادس والثامن والعشرين، فهذه أربع شفع، فإما أن يقال إن العشر الأواخر باعتبار الأغلب كما قال الجمهور، أو يقال إن ليلة العشرين هي المتممة للخمس الشفع إذا كان الشهر ناقصا، لكن يلزم على هذا أن تبتديء العشر بليلة شفع. [المحلى 4/457 مسألة 809، بلغة السالك لأقرب المسالك 1/731]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (هي في العشر الأواخر من رمضان) وتكون في الوتر منها، لكن الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة خمس وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين، ويكون باعتبار ما بقي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتاسعة تبقى لسابعة تبقى لخامسة تبقى لثالثة تبقى)، فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع، وتكون الاثنين والعشرين تاسعة تبقى وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى، وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح، وهكذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر، وإن كان الشهر تسعا وعشرين كان التاريخ بالباقي كالتاريخ الماضي. 

وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تحروها في العشر الأواخر) وتكون في السبع الأواخر أكثر، وأكثر ما تكون ليلة سبع وعشرين كما كان أبي بن كعب يحلف أنها ليلة سبع وعشرين، فقيل له: بأي شيء علمت ذلك؟ فقال بالآية التي أخبرنا رسول الله: (أخبرنا أن الشمس تطلع صبحة صبيحتها كالطشت لا شعاع لها)، فهذه العلامة التي رواها أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم من أشهر العلامات في الحديث وقد روي في علاماتها: (أنها ليلة بلجة منيرة) وهي ساكنة لا قوية الحر ولا قوية البرد، وقد يكشفها الله لبعض الناس في المنام أو اليقظة فيرى أنوارها، أو يرى من يقول له هذه ليلة القدر، وقد يفتح على قلبه من المشاهدة ما يتبين به الأمر، والله تعالى أعلم." [مجموع الفتاوى 25/284]

ومثله ذكره السندي: "حاصل الحديث -يعني حديث (التمسوها لتسع)- أن اعتبار العدد بالنظر إلى ما بقي لا بالنظر إلى ما مضى، لكن بقي الإشكال فيه من جهة فوات الوتر، وأيضا هذا العدد يخرج الليلة التي قد تحققت مرة أنها ليلة القدر وهي ليلة إحدى وعشرين كما في الحديث السابق والله أعلم، إلا أن يجاب عن الأول أنها أوتار بالنظر إلى ما بقي وهو يكفي، ومقتضى الحديث السابق أن تعتبر الأوتار بالنظر إلى ما مضى، فيلزم أن يسعى كل ليلة من ليالي العشر الأخير لإدراكه مراعاة للأوتار بالنظر إلى ما مضى وإلى ما بقي فتأمل" [عون المعبود 4/182] 

قال ابن بطال: "فأما إن كان -أي: الشهر- كاملا، فإنها لا تكون إلا في شفع، فتكون التاسعة الباقية ليلة اثنتين وعشرين، والخامسة الباقية ليلة ست وعشرين، والسابعة الباقية ليلة أربع وعشرين على ما ذكره البخاري عن ابن عباس، فلا تصادف واحدة منهن وترا، وهذا يدل على انتقال ليلة القدر كل سنة في العشر الأواخر من وتر إلى شفع، ومن شفع إلى وتر، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر أمته بالتماسها في شهر كامل دون ناقص، بل أطلق على طلبها في جميع شهور رمضان التي قد رتبها الله مرة على التمام، ومرة على النقصان، فثبت انتقالها في العشر الأواخر كلها على ما قال أبو قلابة" [شرح صحيح البخاري لابن بطال 4/156]


** ليلة القدر هي أفضل الليالي، وقال شيخ الإسلام: "ليلة الإسراء أفضل في حق النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليلة القدر أفضل بالنسبة إلى الأمة، فحظ النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي اختص به ليلة المعراج أكمل من حظه من ليلة القدر، وحظ الأمة من ليلة القدر أكمل من حظهم من ليلة المعراج، وإن كان لهم فيها أعظم حظ، لكن الشرف والفضل والرتبة العليا إنما حصلت فيها لمن أسري به، -صلى الله عليه وسلم-" [مجموع الفتاوى 25/286]


** لليلة القدر علامات:

1- عن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: (أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها)، وفي رواية: (تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها) [م 762]

2- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعا: (ليلة القدر ليلة سمحة طلقة، لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة) [خز 2192، مسند الطيالسي 4/401، الأحاديث المختارة 424، وقال البيهقي: "في إسناده ضعف"، شعب الإيمان 3/1360، وقال العقيلي: "سلمة بن وهرام لا يتابع عليه"، الضعفاء الكبير 2/146، وقال الألباني: "صحيح لغيره"]

3- عن واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- مرفوعا: (ليلة القدر بَلْجَةٌ -مشرقة-، لا حارة ولا باردة، ولا سحاب فيها، ولا مطر ، ولا ريح ، ولا يُرمى فيها بنجم، ومن علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها) [طب 139]، والحديث إسناده ضعيف، ففيه بكار بن تميم وبشر بن عون، قال أبو حاتم: "مجهولان"، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5472) بلفظ: (ليلة القدر ليلة بلجة، لا حارة و لا باردة، ولا يرمى فيها بنجم، ومن علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها) بناء على شوهد الحديث كما بينه في سلسلة الأحاديث الضعيفة 4404.

4- عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- مرفوعا: (إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة، كأن فيها قمرا ساطعا، ساكنة ساجية -بمعنى ساكنة-، لا برد فيها ولا حر، ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى تصبح، وإن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع، مثل القمر ليلة البدر، ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ) [حم 22259، وقال العراقي: "إسناده جيد"، وقال ابن كثير: "إسناد حسن، وفي المتن غرابة، وفي بعض ألفاظه نكارة"، تفسير القرآن 8/428،  وقال ابن كثير في موضع آخر: "إسناده حسن، إلا أنه منقطع"، جامع المسانيد والسنن 5729]، والحديث منقطع، فقد رواه خالد بن معدان عن عبادة بن الصامت، وبين وفاتيهما نحو سبعين سنة كما قال أبو حاتم. [ينظر سلسلة الأحاديث الضعيفة 4404]

5- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (إنها ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين، إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى) [حم 10356، قال ابن كثير: "تفرد به أحمد وإسناده لا بأس به"، تفسير القرآن 8/ 432، وحسنه البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة 3/129، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 5473] وهذه العلامة غير مرئية.

** عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني) [ت 3513، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني]