** الاعتكاف لغة: لزوم الشيء، ومنه قوله تعالى {يعكفون على أصنام لهم} وقوله تعالى {ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون}، وشرعا: لزوم مسجد لطاعة الله تعالى، فخرج بقولنا المسجد المصلى والبيت فلا يسميان مسجدا، وخرج بقولنا لطاعة الله ما لو اعتكف انتظارا لأحد أو ما أشبه ذلك.
** الاعتكاف من الشرائع القديمة بدليل قوله تعالى {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين}
** الاعتكاف مسنون، بالكتاب والسنة والإجماع، فمن الكتاب قوله تعالى {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين}، وقوله {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}، ومن السنة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على أنه مستحب، ولا يجب إلا بالنذر، ونقل الإجماع أيضا ابن حزم والنووي وابن قدامة وابن تيمية، لكن نقل عن الإمام ملك كراهة الاعتكاف، وقد أخذها ابن رشد، من قول الإمام مالك: "ما رأيت صحابيا اعتكف، وقد اعتكف -صلى الله عليه وسلم- حتى قبض وهم أشد الناس فلم أزل أفكر حتى أخذ بنفسي أنه لشدته نهاره وليله سواء كالوصال المنهي عنه مع وصاله المنهي عنه"، وقال الحافظ ابن حجر: "لعله أراد صفة مخصوصة، وإلا فقد حكيناه عن غير واحد من الصحابة أنه اعتكف"
** هل يستحب الاعكتاف في كل وقت؟ هو مسنون كل وقت إجماعا، أما إذا قيل باشتراط الصوم لصحة الاعتكاف فإنه لا يصح ليلة مفردة، ولا بعض يوم، ولا ليلة وبعض يوم، ولا الأيام التي نهي عن صيامها، وقد نقل عن بعض المالكية أن الاعتكاف في رمضان سنة، وفي غيره من العام جائز، لكن جماهير أهل العلم على أنه مستحب كل وقت، وقال ابن العربي المالكي: "وهو سنة وليس ببدعة، ولا يقال فيه: مباح فإنه جهل من أصحابنا الذين يقولون في كتبهم الاعتكاف جائز "، ويدل على أن الاعتكاف مسنون في كل وقت ما يأتي:
1- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتكف في العشر الأول من رمضان، واعتكف في العشر الأواسط، واعتكافه في العشر الأواخر من رمضان إنما كان رجاء ليلة القدر [خ 813، م 1167]
2- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتكف عشرا من شوال [خ 2033، م 1173]
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعمر بن الخطاب أن يوفي بنذره في الاعتكاف في غير رمضان [خ 2032، م 1656]
4- عموم أدلة الاعتكاف.
5- ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن الصحابة -رضي الله عنه- من روايات وآثار في اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف، فإنه لو لم يكن الاعتكاف إلا في العشر الأواخر من رمضان لما احتيج إلى ذكر مسألة اشتراط الصوم من عدمه.
** الاعتكاف في رمضان آكد، وآكده في العشر الأواخر منه، ويدل لذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه، قال: من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر فمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد فبصرت عيناي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين) [خ 2027، م 1167]
** اختلف العلماء في اعتكاف المرأة على قولين:
القول الأول: أنه يسن لها كالرجل، وهو مذهب الجمهور، وهو الراجح لعموم الأدلة، ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (اعتكفت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة من أزواجه مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي) [خ 2037]، وقد جاء مفسرا بأنها أم سلمة، وهي ليست عجوزا.
القول الثاني: أنه يكره للمرأة الشابة، وهو قول القاضي من الحنابلة، واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان وإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي اعتكف فيه، قال فاستأذنته عائشة أن تعتكف فأذن لها فضربت فيه قبة، فسمعت بها حفصة فضربت قبة، وسمعت زينب بها فضربت قبة أخرى، فلما انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الغداة أبصر أربع قباب، فقال: ما هذا؟ فأخبر خبرهن، فقال: ما حملهن على هذا، آلبر؟! انزعوها فلا أراها، فنزعت فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في آخر العشر من شوال) [خ 2041، م 1173]
وأجيب عنه بأن هذا حصل بسبب خوف النبي -صلى الله عليه وسلم- عليهن من الغيرة والمفاخرة بهذا الأمر.