** خروج المعتكف على أقسام:
القسم الأول: أن يخرج لما لا بد له منه شرعا أو حسا فهذا جائز بالإجماع، أما شرعا فمثل خروجه لطهارة واجبة أو غسل متنجس أو جمعة أو شهادة لزمته، وأما حسا فمثل خروجه ليأتي بأكل أو شرب لعدم من يأتيه بهما، أو لقضاء حاجة، ويدل لذلك قول عائشة رضي الله عنها: "السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه" [د 2473، وقد سبق]، وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان) [خ 2029، م 297 واللفظ له]، لكن إن طال مكثه بعد حاجته فسد اعتكافه.
القسم الثاني: أن يخرج لطاعة لا تجب، فلا يجوز إلا أن يشترطها، مثاله: أن يخرج لزيارة مريض أو اتباع جنازة، فهذا لا يجوز إلا أن يشترطه، ولا ينبغي له اشتراطه إلا لحاجة، مثل أن يكون المريض له حق على المعتكف أو يتوقع موته، قال في الإفصاح: "واختلفوا هل يجوز للمعتكف فعل ما فعله قربة كعيادة مريض واتباع الجنائز؟ فقال مالك: لا يجوز اشتراط مثل هذا، ولا يستباح بالشرط، وقال الشافعي وأحمد: يجوز ذلك ويستباح بالشرط، قال الوزير رحمه لله: وهو الصحيح عندي" [الإفصاح 1/259]، وعن الإمام أحمد أن له عيادة المريض وشهود الجنازة بلا شرط.
القسم الثالث: أن يخرج بلا عذر أو يخرج لأمر ينافي الاعتكاف، فلا يجوز، ويبطل اعتكافه عند جماهير العلماء، وقيد الحنفية الخروج المفسد بساعة وهو جزء من الزمان لا جزء من أربع وعشرين جزءا، ولا يجوز هذا النوع سواء اشترط ذلك أم لم يشترط، ومثاله خروجه لجماع أهله، أو للبيع أو الشراء، وكاشتراطه أن يخرج لما شاء، لكن إن قال: متى مرضت أو عرض لي عارض خرجت فله شرطه.
** إذا خرج المعتكف من مسجد اعتكافه لأمر يبيح الخروج فله أن يغير مسجد اعتكافه إذا كان الثاني أقرب لحاجته، أما إذا أراد الخروج ابتداء لتغيير المسجد سواء كان له مزية شرعية أم لا، فليس له ذلك إلا بالشرط.
** قال شيخ الإسلام: "فإن قيل: إذا كان له الخروج منه، ثم له أن يدخل فيه متى شاء فما معنى قولهم: يحرم على المعتكف كذا، ويجب عليه كذا؟ قيل له فوائد:
إحداها: أن المحرمات في الاعتكاف من المباشرة والخروج من المسجد لغير حاجة، إنما له أن يفعلها إذا نوى ترك الاعتكاف، فيكون فعله على وجه الترك للاعتكاف، فلا يكون حين فعله معتكفاً، أما أن يستديم نية الاعتكاف ويفعل ذلك فلا يحل له ذلك، بل يكون قد اتخذ آيات هزوا، ويكون بمنزلة الحائض إذا أمسكت تعتقد الصوم صحيحاً وبمنزلة ما لو تكلم أو أحدث في الصلاة مع بقاء اعتقاد الصلاة، وهذا لأن العبادة التي ليست واجبة إذا أراد أن يفعلها، فإنه يجب أن يفعلها على الوجه المشروع، وليس أن يخل بأركانها وشروطها وإن كان له تركها بالكلية.
الثانية: أنه إذا فعل ما ينافيه من خروج ومباشرة انقطع الاعتكاف، فلو أراد أن يعود إليه كان اعتكافاً ثانياً يحتاج إلى تجديد نية، ولا يكفيه استصحاب حكم النية الأولى حتى إنا إذا لم نجوز الاعتكاف أقل من يوم فاعتكف بعض يوم ثم قطعه، ثم أراد أن يتمه باقي اليوم لم يصح ذلك كما لو أصبح صائماً ثم أكل، ثم أراد أن يتم الصوم.
الثالثة: أنه إذا نذر الاعتكاف معيناً أو مطلقاً صارت هذه الأمور واجبة عليه، وحرم عليه ما ينافي الاعتكاف بكل حال، كما لو نذر صوماً معيناً، أو صلاة مؤقتة، أو مطلقة" [شرح العمدة 2/817]
** يبطل الاعتكاف بالجماع والمباشرة إجماعا، لقوله تعالى {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك.
** في السلسبيل: "ويبطل الاعتكاف بأحد ستة أشياء: الردة، ونية الخروج ولو لم يخرج، وبالخروج لغير ضرورة، وبالوطء في الفرج، وبالإنزال عن مباشرة، وبالسكر"